ولما كان الإنسان حيواناً ناطقاً، وكان كمال حيوانيته في القوة العملية للحركة بالإرادة لا بمقتضى الشهوة القاسرة البهيمية قال تعالى :﴿وعملوا﴾ أي تصديقاً بما أقروا به من الإيمان ﴿الصالحات﴾ أي هذا الجنس، وهو اتبع الأوامر واجتناب النواهي في العبادات كالصلاة والعادات كالبيع فكانوا بهذا مسلمين بعد أن كانوا مؤمنين فاشتروا الآخرة بالدنيا فلم يلههم التكاثر، ففازوا بالحياة الأبجية والسعادة السرمدية فلم يلقهم شيء من الخسر.
ولما كان الإنسان بعد كماله في نفسه بالأعمال لا ينتفي عنه مطلق الخسر - إلا بتكميل غيره، وحينئذ يكون وارثاً لأن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام بعثوا للتكميل، وكان الدين لا يقوم، وإذا قام لا يتم إلا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الناشئ عن نور القلب، ولا يتأتى ذلك إلا بالجتماع، قال مخصصاً لما دخل في الأعمال الصالحة تنبيهاً على عظمه :﴿وتواصوا﴾ أي أوصى بعضهم بعضاً بلسان الحال أو المقال :﴿بالحق﴾ أي الأمر الثابت، وهو كل ما حكم الشرع بصحته فلا يصح بوجه نفيه من قول أو عمل أو اعتقاد أو غيره من فعل أو ترك، فكانوا محسنين، والتكميل في القوة العملية باجتلاب الخيور.
ولما كان الإنسان ميالاً إلى النقصان، فكان فاعل ذلك الإحسان معرضاً للشنآن من
٥٢٣