ولما ذكر ما تقدم من لينه ﷺ لأضعف الناس النساء وحسن أجبه وكريم عشرته لأنه مجبول على الشفقة على عباد الله والرحمة لهم، وختم بما للمؤمنين من الشرف ولله من تمام القدرة، أنتج ذلك القطع بإذلال أعدائهم وإخزائهم فقال مدارياً لهم من خطر ذلك اليوم بيد أنصح الخلق ليكون ﷺ جامعاً في طاعته سبحانه وتعالى بين المتضادات من اللين والشدة والرضى والغضب والحلم والانتقام وغيرها، فيكون ذلك أدل على التعبد لله بما أمر به سبحانه وتعالىوالتخلق بأوامره وكل ما يرضيه :﴿يا أيها النبي﴾ منادياً بأداة التوسط إسماعاً للأمة الوسطى تنبيهاً على أنهم المنادون في الحقيقة، ولأجل دلالتها على التوسط والله أعلم كان لا يتعقبها إلا ما له شأن عظيم، معبراً بالوصف الدال على الرفعة بالإعلام بالأخبار الإلهية المبني على الإحكام والعظمة المثممرة للغلبة، وأما وصف الرسالة فيغلب فيه الرحمة فيكثر إقباله على اللين والمسايسة نظراً إلى وصف الربوبية :﴿جاهد الكفار﴾ أي المجاهرين بكل ما يجهدهم فيكفيهم من السيف وما دونه ليعرف أن الأسود إنما اكتسبت من صولتك، فيعرف أن ذلك اللين لأهل الله إنما هو من تمام عقلك وغزير علمك وفضلك، وكبير حلمك وخوفك من الله ونبلك :﴿والمنافقين﴾ أي المساترين بما يليق بهم من الحجة إن استمروا على المساترة، والسيف إن احتيج إليه إن أبدوا نوع مظاهرة ﴿وأغلظ﴾ أي كن غليظاً بالفعل والقول بالتوبيخ والإبعاد والهجر ﴿عليهم﴾ فإن الغلظة عليهم من اللين لله كما أن اللين لأهل الله من خشية الله، وقد أمره سبحانه باللين لهم في أول الأمر لإزالة أعذارهم وبيان إصرارهم، فلما بلغ الرفق أقصى مداه جازه إلى الغظة وتعداه، وقد بان بهذه الآية أن أفعل التفضيل في قوله النسوة لعمر رضي الله عنه :" أنت أفظ وأغلظ من رسول الله ﷺ على بابه ولا محذور.
٥٦


الصفحة التالية
Icon