وقال الإمام أبو جعفر بن الزبير : لما نهى عباده عما يلتذ به من أراد الدنيا وزينتها من الإكثار والكبر والتعزز بالمال والجاه وطلب الدنيا، أتبع ذلك بما منح نبيه مام هو خير مما يجمعون، وهو الكوثر وهو الخير الكثير، ومنه الحوض الذي ترده أمته في القيامة، لا يظمأ من شراب منه، ومنه مقامه المحمود الذي يحمده فيه الأولون والآخرون عند شفاعته العامة للخلق وإراحتهم من هول الموقف، ومن هذا الخير ما قدم له في دنياه من تحليل الغنائم والنصر بالرعب والخلق العظيم إلى ما لا يحصى من خير الدنيا والآخرة مما بعض ذلك خير من الدنيا وما فيها إذ لا تعدل الدنيا وما فيها واحدة من هذه العطايا ﴿قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير ما يجمعون﴾ [يونس : ٥٨] ومن الكوثر والخير الذي أعطاه الله كتابه المبين، الجامع لعقل الأولين والآخرين، والشفاء لما في الصدور.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٥٤٧
ولما كمل له سبحانه من النعم ما لا يأتي عليه حصر مما لا يناسب أدناه نعيم الدنيا بجملتها، قال مبيناً له منبهاً على عظيم ما أعطاه ﴿لا تمدن عينيك إلى ما متعنا﴾ [الحجر : ٨٨] إلى قوله ﴿ورزق ربك خير وأبقى﴾ فقد اضمحل في جانب نعمة الكوثر الذي أوتي كلٌّ ما ذكره الله تعالى في الكتاب من نعيم أهل الدنيا وتمكن من تمكن منهم، وهذا أحد موجبات تأخثر هذه السورة، فلم يقع بعدها ذكر شيء من نعيم الدنيا ولا ذكر أحد من المتنعمين بها لانقضاء هذا الغرض وتمامه، وسورة الدين آخر ما تضمن الإشارة إلى شيء من ذلك كما تقدم من تمهيد إشاراتها، وتبين بهذا وجه تعقيبها بها - والله تعالى أعلم - انتهى.
ولما أعطاه ما فرغه به للعبادة وأكسبه غنى لا حاجة معه، سبب عنه قوله آمراً بما هو جامع لمجامع الشكر :﴿فصل﴾ أي بقطع العلائق من الخلائق بالوقوف بين يدي الله في حضر المراقبة شكراً لإحسان المنعم خلافاً للساهي عنها والمرائي فيها.