جعلتها سنين من أول النبوة كان آخرها سنة خمس من الهجرة، وفيها كانت غزوة الأحزاب، قال النبي ﷺ بعد انصرافهم منها "الآن نغزوهم ولا يغزنا" فهو أول أخذ الشانئ في الانبتار، وإذا اعتبرت الأحرف بحسب الرسم كانت تسعة عشر آخرها سنة ست، وهي عمرة الحديبية سنة الفتح السببي وهو الصلح الذي نزلت فيه سورة الفتح وسماه الله فتحاً، وقال النبي ﷺ :" إنه أعظم الفتح " فكان سبب الفتح الأعظم بخلطة الكفار لأهل الإسلام بالصلح، فأسرعوا إلى الإسلام بالدخول فيه لما رأوا من محاسن الدين وإعجاز القرآن، فكانوا يوم الفتح عشر آلاف بعد أن كانوا قبل ذلك بسنتين يوم الحديبية ألفاً وأربعمائة - والله الموفق، هذا يسير من أسرار هذه السورة وقد علم منه من إعجازهم ما يشرح الخواطر ويبهج النواظر، لأنه يفوق حسناً على الرياض النواضر، وعلم أيضاً جنون الخبيث المسخرة مسيلمة الكذاب - عليه اللعنة والتباب، وله سوء المنقلب والمآب، حيث قال في معارضتها : إنا أعطيناك الجماهر، فصل لربك وهاجر، إنا كفيناك المكابر أو المجاهر، لأنه كلام، مع أنه قصير المدى، ركيك اللحمة والسدى، غريق الساحة والفنا في الهلك والفنا، ليس فيه غنى، بل كله نصب وعنا، هلهل النسج رث القوى، منفصم العرى، مخلخل الأرجا، فاسد المعنى والبنا، سافل الألفاظ مر الجنى، لأن العلل منافية للمعلولات، والشوامل منافرة للمشمولات، ثم رأيت في دلائل الإعجاز للإمام عبد القاهر الجرجاني أن الوسطى من قال : العاهر وجاهر فإن كان بالدين لم يمنع الصدح بالباطل، وذلك لا يرضى به عاقل، وإن كان طلب مع نقص الجود على كل تقدير، الذي هو المقصود للغني والفقير، والمأمور والأمير، هذا مع الإغارة على الأسلوب والحذو على المعهود غير محاذ ﴿في القصاص حياة﴾ [البقرة : ١٧٩] في إسقاط " القتل أنفى للقتل " بالرشاقة مع الوجازة، والعذوبة مع البلاغة، في إصابة حاق المعنى بما يقود إلى السماح
بالنفس، ويحمل على المبادرة إلى امتثال الأمر، والأولى من سخيف عقل الخسيف، وأكله ؟ إلى الخلق مع نقصان المعنى السار للإسرار والأخرى مهملة لذوي الشبه والستر مع ما فاتها من قصر الخاسر وخصوص التبار إلى ماحوت من بيان الكذب البتار للأعمال المخرب للديار تصديقاً للنبي ﷺ البار بأيدي صحابته الأخيرا، إن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار - فسبحان من علا فعلا كلامه كل كلام والسلام والحمد لله على كل حال.
٥٥٢
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٥٤٧