ولما كان ذلك كله، وبدأ النفي في الجمل السابقة بالمنسوب إليه ﷺ إيذاناً بالاهتمام ببراءته منهم، أنتج قطعاً مقدماً لما يتعلق بهم على وجه اختصاصهم به تأكيداً لما صرح به ما مضى من براءته منهم :﴿لكم﴾ أي خاصة ﴿دينكم﴾ أي الذي تعلمون أنه لا أصل له يثبت عليه، ولا دليل يرجع بوجه إليه، لا أشارككم فيه بوجه ولا ترجعون عنه بوجه بل تموتون عليه موتاً لبعظكم حتف الأنف والآخرين قتلاً على يدي بالسيف ﴿ولي﴾ أي خاصة ﴿دين *﴾ من واصع روضة الإسلام إلى أعلى مقام : مقام اليقان والإحسان، وأنتم تعلمون - لو جردتم عقولكم عن الهوى وأخلصتم أفكاركم من الحمية والإبا - أنه كله دليل وفرقان ونور وحجة وبرهان، لا تشاركونني فيه بوجه، ولا تقدرون على ردّي عنه أصلاً، فكانت هذه علماً من أعلام النبوة نم حيث إنه مات منهم ناس كثير بعد ذلك على الكفر وأتم الله له هذا الدين، فصدق سبحانه فيما قال، وثبت مضمون الكوثر بأكمل استدلال، وأما من آمن بعد ذلك فليس مراداً لأنه لم يكن عريقاً في وصف الكفران، ولا رساخاً في الضلال والطغيان، فأسعده وصف الإسلام والإيمان، وساق الجمل كلها غير مؤكد إشارة إلى أنها من الوضوح في حد لا خفاء به أصلاً، ولا شك أن آخرها الذي هو اختصاص كل بدينه هو أولها الذي أفاد أنه لا يعبد معبوده فصار آخرها أولها، ومفصلها موصلها - هذا هو الذي دل عليه السياق، وليس فيه إذن في الكفر ولا منع عن الجهاد ليحتاج إلى نسخ، ومن أعظم الدلائل إعجازها وجمعها للمعاني في إشارتها وإيجازها أن حاصلها قطع رجاء أهل الكفران من أن يقاربهم النبي ﷺ في أن يعدل بربه أحداً في زمن من الازمان، وذلك من أعظم مقاصد المناظرة لها في رد الآخرة على أول الأنعام لأنها السادسة في العد من الأول، كما أن هذه السادسة في العد من الآخر
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٥٥٤


الصفحة التالية
Icon