جزء : ٨ رقم الصفحة : ٥٧
ولما أتم مثل النذارة بأن طاعة المطيع لا تنفع العاصي وإن كان أقرب الناس إلى المطيع إلا إن كان له أساس يصح البناء عليه، ويجوز الاعتداد به والنظر إليه، أتبعه مثل البشارة بأن عصيان العاصي لا يضر المطيع فقال :﴿وضر الله﴾ أي الملك الأعلى الذي له صفات الكمال ﴿مثلاً للذين آمنوا﴾ ولو كان في أدنى درجات الإيمان مبيناً لأن وصلة الكفار إذا كانت على وجه الإكراه والإجبار لا تضر ﴿امرأت فرعون﴾ واسمها آسية بنت مزاحم، آمنت وعملت صالحاً فلم تضرها الوصلة بالكافر بالزوجية التي هي من أعظم الوصل ولا نفعه إيمانها ﴿كل امرئ بما كسب رهين﴾ [الطور : ٢١] وأثابها ربها سبحانه أن جعلها زوجة خير خلقه محمد ﷺ في دار كرامته بصبرها على عبادة
٥٨
الله وهي في حبالة عدوه، وأسقط وصفه بالعبودية دليلاً على تحقيره وعدم رحمته لأنه أعدى أعدائه، وأشار إلى وجه الشبه في المثل وهو التحيز إلى حزب الله بقدر الوسع فقال :﴿إذ﴾ أي مثلهم مثلها حين ﴿قالت﴾ تصديقاً بالعبث منادية نداء الخواص بإسقاط الأدة لأجل أنها مؤمنة وإن كانت تحت كافر بنا فلم تضر صحبته شيئاً لأجل إيمانها :﴿رب﴾ أي أيها المحسن إليّ بالهداية وأنا في حبالة هذا الكافر الجبال ولم تغرني بعز الدنيا وسعتها ﴿ابن لي﴾.
ولما كان الجار مطلوباً - كما قالوا - قبل الدار، طلبت خير جار وقدمت الظرف اهتماماً به لنصه على المجاورة ولدلالته على الزلفى فقالت :﴿عندك بيتاً﴾ وعينت مرادها بالعندية فقالت :﴿في الجنة﴾ لأنها دار المقربين فظهر من أول كلامها وآخره أن مطلوبها أخص داره، وقد أجابها سبحانه بأن جعلها زوجة لخاتم رسوله الذي هو خير خلقه وأقربهم منه، فكانت معه في منزله الذي هو أعلى المنازل.


الصفحة التالية
Icon