لا يقبل عذراً ولا يقبل نادماً ﴿كان﴾ أي لم يزل على التجدد والاستمرار ﴿توباً *﴾ أي رجاعاً بمن هذب به الشيطان من أهل رحمته فهو، الذي رجع بأنصارك عما كانوا عليه من الاجتماع على الكفر والاختلاف والعداوات فأيدك بدخولهم في الدين شيئاً فشيئاً حتى أسرع بهم بعد سورة الفتح إلى أن دخلت مكة في عشرة آلاف، وهو أيضاً يرجع بك إلى الحال التي يزداد بها ظهور رفعتك في الرفيق الأعلى ويرجع عن تخلخل من أمتك في دينه بردة أو معصية دون ذلك إلى ما كان عليه من الخير، ويسير بهم أحسن سير، فقد رجع آخر السورة إلى أولها لأنه لولا تحقق وصفه بالتوبة لما وجد الناصر الذي وجد به الفتح والتحم مقطعها أي التحام بمطلعها، وعلم أن كل جملة منها مسببة علما قبلها، فتوبة الله على عبده نتيجة توبته باستغفاره الذي هو طلب المغفرة بشروطه، وذلك ثمرة اعتقاده الكمال في ربه، وذلك ما دل عليه إعلاؤه لدينه، وقسره للداخلين فيه على الدخول مع أنهم أشد الناس شكائم وأعلاهم همماً وعزائم، وقد كانوا في غاية الأخيرة من الاحتباك : دل بالأمر بالاستغفار وعلم أن السورة أشارة إلى وفاته ﷺ بالحث على الاستغفار الذي هو الأمان الثاني، ومن شأنه أن تختم به الأعمال والمجالس بعد ما أشار إليه إعلامها بظهور الدين على الدين كله ونزولها في أوسط أيام التشريق من حجته عليه أفضل الصلاة والسلام سنة عشر كما ذكرته في كتابي " مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السورة " وكتابي " الاطلاع على حجة الوداع " وذلك بعد نزول آية المائدة - التي هي نظيرتها في رد المقطع على المطلبع - في يوم عرفة ﴿اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً﴾ [المائدة : ٣] ومن المعلوم أنه لا يكون في هذه الدار كمال إلا بعده نقصان، ولذلك سماها النبي ﷺ حجة الوداع وخطب الناس فيها، فعلّمهم أمور دينهم وأشهدهم على أنفسهم وأشهد الله عيلهم بأنه بلغهم، وودعهم


الصفحة التالية
Icon