ما وقع في كلمة الإخلاص ليعلم أن الإثبات لا يكمل إلا بصيانته عن كل ما يتضمن مخالفته، لكن كلمة الإخلاص تركبت من نفي ثم إثبات، وسورة الإخلاص من إثبات ثم نفي، وآخر الإثبات الصمد، فهو جامع بين الأمرين فإنه جمع كل صفة لا يتم الخلق إلا بها " لأن أحد مدلوليه " في اللغة : السيد الذي يرجع إليه، فاقتضى ذلك إثبات صفات الكال التي بها يتم اتساق الأفعال ونفي كل صفة ينزه عنها، لأن ثاني مدلوليه في اللغة : الذي لا جوف له، وذلك يتضمن نفي النهاية ونفي الحد والجهة والجسم والجوهر، لأن من اتصف بشيء من ذلك لم يستحل اتصافه بالتركيب ووجود الجوف، فقررت هذه الكلمة وجوب المعرفة بالنفي والثبات ليميز بين الحق وبالطل، لأن من لم يتحقق صفاء الباطل لم يتقرر له المعرفة بالحق، ولذلك كان الصحابة رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم أجمعين يسألون النبي ﷺ عن الحق لصحة الاعتقاد والمعرفة، وعن الباطل والشر للتمكن من مجانبته حتى قال حذيفة رضي الله تعالى عنه "وكان الناس سألون النبي ﷺ عن الخير، وكنت أسأله عن الشر" وذلك لأن من لم يعرف الشر يوشك أن يقع فيه، وأن ما خالفت كلمة الشهادة في الترتيب لأن تلك أتت للإدخال في الدين، والأليق بمن كان خارجاً أو ضعيفاً - وهم الأكثر - نفي الباطل أولاً ومحوه من لوح القلب ليأتي إثبات الحق فيه وهو فرغ فيقر فيه، فلما نفت أولاً كل غير كان سبباً للمجانبة والبعد عن حضرات القدس، ثم أثبتت الذات الأقدس والمسمى الأشرف الأنفس، أكدت سورة الإخلاص لأنها للكمل الذين تخلقوا بما قبلها من السور، هذا الإثبات عند استحضاره، وشهود الجميل من آثاره، ثم ختمت بنفي الأغيار، ليكون بذلك تجلى ختام الأعمار، عند الرجوع إلى الآثار، بالعرض على الواحد القهار، وقد بين بهذه السورة أنه طريق بين الخلق والأمر، فلما فتح الخلق بمتشابه خلق آدم عليه الصلاة والسلام لأن المتشابه ما خرج عن أشكاله، وختمت