حتى يشاكله في رذيلة الطبع وظلمة النفس، فينشأ من ذلك شرور لازمة ومتعدية أضرها الكبر والإعجاب اللذان أهلكا الشيطان، فيوقع الإنسان بها فيما أوقع نفسه فيه، وينشأ من الكبر الحقد والحسد يترشح منه بطر الحق - وهو عدم قبوله، ومنه الكفر والفسوق والعصيان، وغمص الناس - وهو احتقارهم المعلوم من قول الشيطان ﴿أنا خير منه﴾ [الأعراف : ١٢] ومنه تنشأ الاستهانة بأولياء الله تعالى بترك احترامهم ومنع حقوقهم والاعتداء عليهم والظلم لهم، وترشح من الحقد الذي هو العداوة العظيمة إمساك الخير والإحسان وبسط اللسان واليد بكل سوء وإيذاء، ويترشح من الحسد إفساد ذات البين كما يشير إليه ﴿ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة﴾ [الأعراف : ٢٠] الآية والكذب والمخادعة كما عرف به ﴿وقاسمهما إني لكما لمن الناصحين فدلاهما بغرور﴾ [الأعراف : ٢١] ويترشح عن الإعجاب التسخط للقضاء والقدر كما آذن به ﴿قال أأسجد لمن خلقت طيناً﴾ [الإسراء : ٦١] ومقابلة الأمر بالعلم بما أشعر به ﴿لم أكن لأسجد لبشر خلقته من صلصال﴾ [الحجر : ٣٣]، واستعمال القياس في مقابلة النص بما هدى إليه ﴿أنا خير منه﴾ [الأعراف : ١٢] الآية، واستعمال التحسين والتقبيح بما أفهمه ﴿لم أكن لأسجد لبشر خلقته من صلصال من حمإ مسنون﴾ والإذلال وهو الجرأة على المخالفات فينشأ عن ذلك شرور متعدية، وهي السعي في إفساد العقائد والأخلاق والأعمال والأبدان والأرزاق، ثم لا يزال يتحبب إلى الإنسان بما يميل إليه طبعه من هذه الخبائث وهو يوافقه فيها حتى يصير له أخلاقاً راسخة، فيصير رديء الطبع فلا ينفع فيه العلاج، بل لا يزيده إلا خبثاً كإبليس، ومن كان أصله طيباً واكتسب ما يخالفه بسبب عارض كان ممكن الإزالة كالعلاج كما وقع لآدم عليه الصلاة والسلام.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٦١١