ولما كان الذي يعلّم الإنسان الشرة تارة من الجن وأخرى من الإنس، قال مبيناً للوسواس تحذيراً من شياطين الإنس كالتحذير من شياطين الجن، مقدماً الأهم الأضر، ويجوز أن يكون بياناً لـ " الناس " ولا تعسف فيه لما علم من نقل القاموس :﴿من الجنة﴾ أي الجن الذين في غاية الشر والتمرد والخفاء ﴿والناس *﴾ أي أهل الاضطراب والذبذبة سواء كانوا من الإنس أو الجن، فيكون المعنى أن الجن مسلط بعضهم على بعض كما هم مسلطون على الإنس أو الجن، فيكون المعنى أن الجن مسلط بعضهم على بعض كما هم مسلطون على الإنس، فيدخل شيطان الجن في الجني كما يدخل في الإنسي ويوسوس له - قاله الغوي عن الكلبي، وقال : ذكر عن بعض العرب أنه قال : جاء قوم من الجن فوقفوا فقيل : من أنتم ؟ قالوا : أناس من الجن، قال : وهذا معنى قول الفراء.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٦١١
وقد ختمت السورة بما بدئت به، والمعنى الثاني أوفق برد آخرها على أولها فإنه يكون شرحاً للناس الذين أضيفت لهم الصفات العلى، والخواطر الواردة على الإنسان قد تكون وسوسة، وقد تكون إلهاماً، والإلهام تارة يكون من الله بلا واسطة، وتارة يكون بواسطة الملك، ويكون كل منها في القلب، والوسوسة تارة من الشيطان، وأخرى من النفس، وكلاهما يكون في الصدر، فإن كان الإنسان مراقباً دفع عن نفسه الضار، وإلا هجمت الواردات عليه وتمكنت منه ويتميز خير الخواطر من شرها بقانون الشرع على أن الأمر مشكل، فإن الشيطان يجتهد في التلبيس، فإن وافق الشرع فلينظر، فإن كان فعله ذلك الحين أولى من غير تفويت لفضيلة أخرى هي أولى منه بادر إليه وإن كان الخاطر دنيوياً وأدى الفكر إلى أنه نافع من غير مخالفة للشرع زاد على شدة تأمله
٦١٦