" صفحة رقم ١٩٨ "
وقال قتادة : سمّي ذا الأوتاد ؛ لأنّه كانت له مظال وملاعب وأوتاد يُضرب له فتلعب له تحتها، وقال محمد بن كعب : يعني ذا البناء المحكم، وقال سعيد بن جبير : كان له منارات يعذّب الناس عليها، وقال مجاهد وغيره : كان يعذّب الناس بالأوتاد، وكان إذا غضب على أحد مدّهُ على الأرض وأوتد يديه ورجليه ورأسه على الأرض.
أخبرني ابن فنجويه قال : حدّثنا مخلد قال : حدّثنا ابن علوية قال : حدّثنا إسماعيل قال : حدّثنا إسحاق بن بشير عن ابن سمعان عن عطاء عن ابن عبّاس أنّ فرعون لمّا قيل له : ذو الأوتاد أنّه كان امرأة وهي امرأة خازنه خربيل بن نوحابيل وكان مؤمناً كتم إيمانه مائة سنة، وكان لقي من لقى من أصحاب يوسف، وكانت امرأته ماشطة بنت فرعون فبينما هي ذات يوم تمشّط رأس بنت فرعون إذ سقط المشط من يدها فقالت : تعس من كفر بالله، فقالت بنت فرعون : وهل لكِ من إله غير أبي ؟ فقالت : إلهي وإله أبيك وإله السماوات والأرض واحدٌ لا شريك له. فقامت فدخلت على أبيها وهي تبكي قال : ما يبكيك ؟ قالت : الماشطة امرأة خازنك تزعم أنّ إلهك وإلهها وإله السماوات والأرض واحدٌ لا شريك له. فأرسل إليها فسألها عن ذلك، فقالت : صدقت. فقال لها ويحك : اكفري بإلهك وأقري أني إلهك، قالت : لا أفعل فمدها بين أربعة أوتاد ثم أرسل عليها الحيات والعقارب فقال لها : اكفري بالله وإلاّ عذبتك بهذا العذاب شهرين، قالت : والله لو عذّبتني سبعين شهراً ما كفرت بالله تعالى.
قال : وكان لها ابنتان فجاء بابنتها الكبرى فذبحها على فيها، وقال لها : اكفري بالله وإلاّ ذبحت ابنتك الصغرى على فيك، وكانت طفلة رضيعة تجد بها وجداً شديداً فقالت : لو ذبحت من على الأرض على فيّ ما كفرتُ بالله تعالى.
قال : فأتى بابنتها فلمّا أن قُدّمت منها واضجعت على صدرها وأرادوا ذبحها جزعت المرأة، فأطلق الله لسان ابنتها فتكلّمت وهي من الأربعة الذين تكلّموا أطفالاً، فقالت : يا أُمّاه لا تجزعي فإنّ الله سبحانه قد بنى لكِ بيتاً في الجنّة، اصبري فإنّك تمضين إلى رحمة الله سبحانه وكرامته، قال : فذبحت فلم تلبث أن ماتت وأسكنها الله سبحانه الجنّة.
قال : وبعث في طلب زوجها خربيل فلم يقدروا عليه، فقيل لفرعون : إنّه قد رُئي في موضع كذا وكذا في جبال كذا وكذا، فبعث رجلين في طلبه فانتهيا إليه وهو يصلّي وثلاثة صفوف من الوحش خلفه يصلّون، فلمّا رأيا ذلك انصرفا، وقال خربيل : اللّهم إنّك تعلم أنّي كتمتُ إيماني مائة سنة، ولم يظهر عليّ أحدٌ فأيّما هذين الرجلين كتم عليّ فاهده إلى دينك وأعطه من الدنيا سؤله، وأيّما هذين الرجلين أظهر عليّ فعجّل عقوبته في الدُّنيا، واجعل مصيره في العاقبة إلى