" صفحة رقم ١٩٩ "
النار، فانصرف الرجلان إلى فرعون فأمّا أحدهما فاعتبر وآمن، وأمّا الآخر فأخبر فرعون بالقصّة على رؤوس الملأ، فقال له فرعون : وهل كان معكَ غيرك ؟ قال : نعم.
قال : ومَنْ كان معك ؟ قال : فلان. فدعى به. فقال : حقٌّ ما يقول هذا ؟ قال : لا، ما رأيت ممّا قال شيئاً. فأعطاه فرعون وأجزل، وأمّا الآخر فقتله ثمّ صلبه.
قال : وكان فرعون قد تزوّج امرأة من أجمل نساء بني إسرائيل يقال لها آسيا بنت مزاحم، فرأت ما صنع فرعون بالماشطة فقالت : وكيف يسعني أن أصبر على ما أتى فرعون وأنا مسلمة وهو كافر، فبينما هي كذلك تؤامر نفسها إذ دخل عليها فرعون فجلس قريباً منها فقالت : يا فرعون أنت شرّ الخلق وأخبثه عمدت إلى الماشطة فقتلتها، فقال : فلعلّ بك الجنون الذي كان بها.
قالت : ما بي من جنون، وإن إلهي وإلهها وإلهكَ وإله السماوات والأرض واحد لا شريك له فمزّق عليها وضربها وأرسل إلى أبويها فدعاهما فقال لهما الأمر، بأنّ الجنون الذي كان بالماشطة أصابها فقالت : أعوذ بالله من ذلك، إنّي أشهد أنّ ربّي وربّك وربّ السماوات والأرض واحد لا شريك له، فقال أبوها : يا آسية ألست خير نساء العماليق وزوجك إله العماليق ؟ قالت : أعوذ بالله من ذلك إن كان ما تقول حقّاً، فقولا له : يتوّجني تاجاً يكون الشمس أمامه والقمر خلفه والكواكب حوله، فقال لهم فرعون : أخرجا عنّي فمدّها بين أربعة أوتاد يعذّبها، وفتح الله سبحانه لها باباً إلى الجنّة ليهوّن عليها ما يصنع بها فرعون فعند ذلك قالت :) ربِّ ابنِ لي عندك بيتاً في الجنّة ونجّني من فرعون وعمله ( يعني من جماع فرعون ) ونجّني من القوم الظالمين ( يعني من فرعون وشيعته، فقبض الله سبحانه روحها وأسكنها الجنّة.
وقيل : الأوتاد عبارة عن ثبات مملكته وطول مدّته وشدّة هيبته، كثبوت الأوتاد في الأرض كقول الأسود :
في ظل ملك ثابت الأوتاد
الفجر :( ١١ - ١٣ ) الذين طغوا في.....
) الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلاَدِ فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَاب ( قال قتادة : يعني لوناً من العذاب صبّه عليهم، وقال السّدي : كلّ يوم لون آخر من العذاب، وقيل : وجع العذاب، وقال أهل المعاني : هذا على الاستعارة ؛ لأنّ السوط عندهم غاية العذاب، فجرى ذلك لكلّ عذاب. قال الشاعر


الصفحة التالية
Icon