" صفحة رقم ١١٨ "
قال له سعد : ما فعلت ؟ قال : كلّمت الرجلين، فوالله ما رأيت بهما بأساً وقد نهيتهما، فقالا : لا نفعل إلاّ ما أحببت.
وفي الحديث أنّ بني حارثة خرجوا إلى أسعد بن زرارة ليقتلوه ؛ وذلك أنّهم عرفوا أنّه ابن خالتك ليحقروك، فقام سعد مغضباً مبادراً للذي ذكره له، فأخذ الحربة منه، ثم قال : والله ما أراك أغنيت شيئاً، فلمّا رآهما مطمئنين عرف أنّ أسيداً إنّما أراد أن يسمع منهما، فوقف عليهما مشتّماً ثم قال لأسعد بن زرارة : يا أبا أمامة لولا ما بيني وبينك من القرابة ما رمت هذا مني، تغشانا في دارنا بما نكره، وقد قال لمصعب : جاءك والله سيد قومه إن تبعك لم يُخالفك منهم أحد، فقال له مصعب : أو تقعد فتسمع، فإن رضيت أمراً ورغبت فيه قبلته، وإن كرهته قد كفاك ما تكره، قال سعد : أنصفت، ثم ركز الحربة فجلس، فعرض عليه الإسلام، وقرأ عليه القرآن، قالا : فعرفنا والله في وجهه الإسلام قبل أن يتكلّم في إشراقه وتسهّله، ثم قال لهما : كيف تصنعون إذا أنتم أسلمتم ودخلتم في هذا الدين ؟ قالا : تغتسل وتطهّر ثوبك وتشهد بشهادة الحق، ثم تصلّي ركعتين، فقام فاغتسل فطهّر ثوبه وشهد شهادة الحق وركع ركعتين، ثم أخذ حربته فأقبل عامداً إلى نادي قومه ومعه أسيد بن حضير، فلمّا رآه قومه مقبلا قالوا : نحلف بالله لقد رجع سعد إليكم بغير الوجه الذي ذهب به من عندكم، فلمّا وقف عليه قال : يا بني عبد الأشهل كيف تعلمون أمري فيكم ؟
قالوا : سيدنا وأفضلنا رأياً وأيمننا نقيبةً، قال : فإن كلام رجالكم ونسائكم علي حرام حتى تؤمنوا بالله ورسوله، قال : فما أمسى في دار عبد الأشهل رجل ولا امرأة إلاّ مسلماً ومسلمة ورجع أسعد ومصعب إلى منزل أسيد بن زرارة فأقام عنده يدعو الناس إلى الإسلام حتى لم تبق دار من دور الأنصار إلاّ وفيها رجال ونساء من المسلمين إلاّ ما كان من بني أمية بن زيد وحطمة ووائل وواقف ( وتلك أوس الله وهم من أوس بن حارثة وذلك أنه ) كان فيهم أبو قيس الشاعر وكانوا يسمعون منه ويطيعونه، فوقف بهم عن الإسلام حتى هاجر النبي ( ﷺ ) إلى المدينة ومضى بدر وأحد والخندق قالوا : إنّ مصعب بن عمير رجع إلى مكة وخرج معه من الأنصار من المسلمين سبعون رجلا مع حجاج قومهم من أهل الشرك حتى قدموا مكة، فواعدوا رسول الله ( ﷺ ) العقبة من أوسط أيام التشريق وهي بيعة العقبة الثانية.
قال كعب بن مالك وكان شهد ذلك : فلمّا فرغا من الحج وكانت الليلة التي واعدنا رسول الله ( ﷺ ) ومعنا عبد الله بن عمرو بن حرام أبو جابر أخبرناه، فكنّا نكتم عمّن معنا من المشركين من قومنا أمرنا، وكلّمناه وقلنا له : يا جابر إنّك سيد من ساداتنا وشريف من أشرافنا، وإنّك ترغب بك عمّا أنت فيه أن نكون حطباً للنار غداً، ودعوناه إلى الإسلام فأسلم فأخبرناه