" صفحة رقم ١٧٦ "
قال اللّه عز وجل ) ولا يحيطون به علماً ( فكما تعرفه في الدنيا لا كالمعروفين فكذلك تراه في العقبى لا كالمرئيين.
قالوا : وقد ترى الشيء ولا تدركه كما أخبر اللّه تعالى عن قول أصحاب موسى ( عليه السلام ) حين قرب منهم فرعون ) إنا لمدركون ( وكان قوم فرعون قد رأوا قوم موسى ولم يدركوهم لأن اللّه تعالى قد وعد نبيه موسى ( عليه السلام ) إنهم لا يدركون بقوله ) لا تخاف دركاً ولا تخشى (.
وكذلك قال سعيد بن المسيب : لا تحيط به الأبصار. وقال عطاء : كلّت أبصار المخلوقين عن الإحاطة به.
وقال الحسن : لا تقع عليه الأبصار ولا تدلّ عليه العقول ولا يدركه الإذعان.
يدلّ عليه ما روى عطية العوفي عن أبي سعيد الخدري عن النبي ( ﷺ ) في قوله تعالى ) لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار (. قال : لو أن الجن والإنس والشياطين والملائكة منذ خلقوا إلى أن فنوا صفوا صفاً واحداً ما أحاطوا باللّه أبداً.
وأجراه بعضهم على النصوص. قال ابن عباس ومقاتل : معناه لا تدركه الأبصار في الدنيا وهو يرى في الآخرة ) وهو يدرك الأبصار ( لا يخفى عليه شيء ولا يفوته.
وقيل : معناه لا تدركه أبصار الكافرين، فأما المؤمنون فيرونه، واللّه أعلم ) وهو اللطيف الخبير (.
قال أبو العالية : لطيف باستخراج الأشياء خبير بها.
وقال أكثر العلماء في معنى اللطيف. فقال الجنيد : اللطيف : من نوّر قلبك بالهدى وربي جسمك بالغدا، وجعل لك الولاية في البلوى ويحرسك من لظى ويدخلك جنة المأوى.
وقيل : اللطيف الذي أنسى العباد ذنوبهم لئلاّ يخجلوا. وقيل : الذي ركّب من النطفة من ماء مهين وقيل : هو الذي يستقل الكثير من نعمه ويستكثر القليل من طاعة عباده.
قتادة : وقيل : اللطيف الذي يُغِير ولا يُغَير. وقيل : اللطيف الذي إن رجوته لبّاك وأن قصدته آواك، وإن أحببته أدناك وإن أطعته كافاك، وإن عصيته عافاك وإن أعرضت عنه دعاك، وإن أقبلت إليه عداك.
وقيل : اللطيف : الذي لا يطلب من الأحباب الأحساب والأنساب. وقيل : اللطيف : الذي يغني المفتقر إليه ويعز المفتخر به. وقيل : اللطيف : من يكافي الوافي ويعفو عن الباقي. وقيل : اللطيف : من أمره تقريب ونهيه تأريب.


الصفحة التالية
Icon