" صفحة رقم ١٨ "
إنكم تذكرون مساوئنا ولا تذكرون محاسننا، قال له علي : ألكم محاسن ؟ قال : نعم، إنا لنعمر المسجد ونحجب الكعبة ونسقي الحاج ونفك : العاني، فأنزل الله تعالى رادّاً على العباس ) ما كان للمشركين ( يقول : ما ينبغي للمشركين أن يعمروا، قرأت العامة بفتح الياء وضم الميم من عمر يعمر، وقرأ ابن السميقع يُعمر بضم الياء وكسر الميم أي يعينوا على العمارة، أو يجعلوه عامراً، ويريد : إن المساجد إنما تعمر بعبادة الله وحده، فمن كان بالله كافراً فليس من شأنه أن يعمرها، وقال الحسن : ما كان للمشركين أن يتركوا فيكونوا أهل المسجد الحرام.
واختلف القراء في قوله :( مساجد الله ) قال ابن عباس وسعيد بن جبير ومجاهد وابن أبي رباح وحميد بن كثير وأبو عمرو : مسجد الله بغير ألف أرادوا المسجد الحرام، واختاره أبو حاتم لقوله تعالى :) فلا يقربوا المسجد الحرام (، وقرأ الباقون ( مساجد ) بالألف على الجمع، واختاره أبو عبيد لأنّه أعم القراءتين.
قال الحسن : فإنّما قال ( مساجد الله ) لأنّه قبلة المساجد كلها وأمامها، وقال أبو حاتم أنّ عمران بن جدير قال لعكرمة : إنما يُقرأ : مساجد الله وإنّما هو مسجد واحد ؟ فقال عكرمة : إن الصفا والمروة من شعائر الله، وقال الضحاك ومجاهد : حدّث العرب بالواحد إلى الجمع والجمع إلى الواحد، ألاترى الرجل على البرذون يقول ركبت البراذين ؟ ويقال للرجل : إنّه لكثير الدر والذمار، وتقول العرب : عليه أخلاق نعل واسمال ثوب. وأنشدني أبو الجراح العقيلي :
جاء الشتاء وقميصي أخلاق
وشرذم يضحك مني التواق
يعني : خَلِق.
وقوله :) شَاهِدِينَ عَلَى أنفُسِهِمْ بِالكُفْرِ ( أراد وهم شاهدون، فلمّا طرحت ( وهم ) نصبت، وقال الحسن : يقولون : نحن كفار ( نشهد ) عليهم بكفرهم، وقال السدّي : شهادتهم على أنفسهم بالكفر هي أن النصراني يُسأل : ما أنت فيقول : نصراني، واليهودي فيقول : يهودي والصابئي، فيقول : صابئي ويقال للمشرك : ما دينك ؟ فيقول : مشرك.
وقال حمزة عن الضحاك عن ابن عباس : شهادتهم على أنفسهم بالكفر سجودهم لأصنامهم وإقرارهم بأنّها مخلوقة، وذلك أنّ كبار قريش نصبوا أصنامهم خارجاً من بيت الله الحرام عند القواعد، وكانوا يطوفون بالبيت عراة ويقولون : لا نطوف وعلينا ثياب قد عملنا فيها بالمعاصي، وكانوا يصفقون ويصفرون ويقولون : إن تغفر اللهم تغفره جمّا، وأي عبد لك لا ألمّا (...


الصفحة التالية
Icon