" صفحة رقم ٢٢٢ "
فلمّا حضر وقته وأحضر الطعام، قال الساقي : أيّها الملك لا تأكل فإنّ الطعام مسموم، فقال الخباز : لا تشرب أيّها الملك فإنّ الشراب مسموم، فقال الملك للساقي : اشرب فشربه فلم يضرّه، وقال للخباز : كل من طعامك، فأبى، فجرّب ذلك الطعام على دابّة من الدواب فأكلته فهلكت، فأمر الملك بحبسهما.
وكان يوسف لمّا دخل السجن قال لأهله : إنّي أعبر الأحلام، فقال أحد الفتيان لصاحبه : هلمّ فلنجرّب هذا العبد العبراني، فتقرّبا له وسألاه من غير أن يكونا رأيا شيئاً، قال عبدالله بن مسعود : ما رأى صاحبا يوسف شيئاً، إنّما كانا تحالفا أن يُجرّبا علمه.
روى عكرمة عن ابن عباس قال : قال رسول الله ( ﷺ ) ( من أرى عينيه في المنام ما لم تَريا كُلِّف أن يعقد بين شعرتين يوم القيامة، ومن استمع لحديث قوم وهم له كارهون صُبَّ في أُذنه الانك ).
وقال قومٌ : كانا رأيا على صحّة وحقيقة، قال مجاهد : لمّا رأى الفتيان يوسف قالا له : والله لقد أحببناك حين رأيناك فقال لهما يوسف : أنشدكما الله أن لا تحباني ؛ فإنّه ما أحبّني أحد قط إلاّ دخل عليَّ من حبّه بلاء.
لقد أحبتني عمّتي فدخل عليّ في حبّها بلاء، ثمّ أحبّني أبي فدخل عليَّ بحبه بلاء ثمّ أحبتني زوجة الملك هذا، فدخل عليّ بحبّها إيّاي بلاء، فلا تحبّاني بارك الله فيكما، قال : فأبيا إلاّ حبّه وأُلفته حيث كان، وجعلا يُعجبهما ما يريان من فهمه وعقله، وقد كانا رأيا حين دخلا السجن رؤيا فأتيا يوسف فقال له الساقي : أيّها العالم إنّي رأيتُ كأنّي غرستُ حبّة من عنب عليها ثلاث عناقيد من عنب فحبستها، وكان كأس الملك بيدي فعصرتها فيه وسقيت الملك فشربه.
وقال الخبّاز : إنّي رأيتُ كأنّ فوق رأسي ثلاث سِلال فيها الخبز وألوان الأطعمة فإذا سباع الطير تنهش منه، فذلك قوله تعالى :) قال أَحَدُهما ( يعني بنو ) إنّي أرَانِي ( أي رأيتني، ) أعْصِرُ خَمْراً ( يعني عنباً بلغة عمان، ويدلّ عليه عليه قراءة ابن مسعود أعصرُ عنباً.
قال الأصمعي : أخبرني المعتمر أنّه لقي أعرابياً معه عنب، فقال : ما معك ؟ قال : خمر، ومنه يُقال للخلّ العنبي خلُّ خمرة، وهذا على قرب الجوار، قال القتيبي : وقد تكون هي الخمر بعينها كما يُقال : عصرتُ زيتاً وإنّما عصر زيتوناً.
وقال الآخر : وهو مجلِث :) إنّي أرَاني أحْمِلُ فوقَ رأسي خُبزاً تأكُلُ الطيرِ مِنْهُ نَبِّئْنا بِتأوِيْلِه ( أخبرنا تفسيره وتعبيره وما يؤول إليه أمر هذه الرؤيا.