" صفحة رقم ٢٣ "
وقال قتادة : وذُكر لنا أن الطلقاء ( إنجفلوا ) يومئذ بالناس وسأل رجل البراء بن عازب : أفررتم يوم حنين ؟ فقال : كانت هوازن رماة وإنّا لمّا حملنا عليهم وانكشفوا وأقبلنا على الغنائم، فاستقبلوا بالسهام فانكشف المسلمون عن رسول الله ( ﷺ ) وقال الكلبي : كان حول رسول الله ( ﷺ ) يومئذ ثلاثمائة من المسلمين وانهزم سائر الناس عنهم.
وقال الآخرون : لم يبق يومئذ مع النبي ( ﷺ ) غير العباس بن عبد المطلب وعلي وأيمن بن أم أيمن، وقُتل يومئذ بين يدي رسول الله ( ﷺ ) وطفق رسول الله يركض بغلته نحو الكفار لا يألوا، وكانت بغلة شهباء أهداها له فروة الجدامي.
أخبرنا عبد الله بن حامد قال : أخبرنا العمري، حدّثنا أحمد بن محمد، حدّثنا الحمامي، حدّثنا شريك عن أبي إسحاق، قيل للبراء : كان النبي ( ﷺ ) فيمن ولى دبره يوم حنين قال : والذي لا إله إلاّ هو ماولّى رسول الله دبره قط، لقد رأيناه وأبو سفيان بن الحرث آخذ بالركاب والعباس آخذ لجام الدابة، وهو يقول : أنا النبي لا كذب أنا بن عبد المطلب، قالوا : قال رسول الله ( ﷺ ) للعباس : ناد يامعشر المهاجرين ويامعشر الأنصار وكان العباس رجلاً صويّتاً.
ويروى من شدة صوت العباس أنه أُغير يوماً على مكة فنادى : واصباحاه فأسقطت كل حامل سمعت صوته جنينها.
فجعل ينادي : ياعباد الله، يا أصحاب الشجرة، يا أصحاب سورة البقرة، وعطف المسلمون حين سمعوا صوته عطفة البقر على أولادها فقالوا : يالبيك يالبيك يالبيك وجاؤوا عنقاً واحداً فالتفت رسول الله ( ﷺ ) إلى عصابة من الأنصار فقال : هل معكم غيركم ؟ فقالوا : يانبي الله لو عمدت إلى برك العماد من ذي يمن لكنّا معك، ثم أقبل المشركون فالتقوا هم والمسلمون، وتنادى الأنصار : يامعشر الأنصار أم قصرت الدعوة على بني الحرث والخزرج، فتنادوا فنظر رسول الله ( ﷺ ) وهو على بغلته كالمتطاول إلى قتالهم فقال هذا حين حمي الوطيس، فأخذ بيده كفّاً من ( الحبِّ ) فرماهم وقال : شاهت الوجوه، ثم قال : انهزموا ورب الكعبة، انهزموا ورب الكعبة.
قال : فوالله مازال أمرهم مدبراً وجدّهم كليلا حتى هزمهم الله تعالى.
قال يعلى بن عطاء : فحدثني أبناؤهم عن آبائهم أنهم قالوا : ما بقي منا أحد يومئذ إلا وامتلأت عيناه من ذلك التراب، قال يزيد بن عامر وكان في المشركين يومئذ : فانصرفنا ما بقي منّا أحد، وكأن أعيننا عميت فأنجز الله وعده وأنزل نصره وجنده فقهر المشركين ونصر المسلمين، وقال سعيد بن جبير : أمدَّ الله ( المسلمين ) بخمسة آلاف من الملائكة مسوّمين، وقال الحسن : كانوا ثمانية آلاف من الملائكة.


الصفحة التالية
Icon