" صفحة رقم ٢٣٥ "
قال بعض الحكماء : المعصية تورث الكبرة، قال الله تعالى :) فعَرِفَهُم وهُمْ لَهُ مُنْكِرُون ( فلمّا نظر إليهم يوسف وكلّموه بالعبرانية، قال لهم : أخبروني من أنتم ؟ وما أمركم ؟ فإنّي أنظر شأنكم، قالوا : نحنُ قومٌ من أهل الشام رُعاة أصابنا الجهد فجئنا نمتار، قال : لعلّكم عيون تنظرون عورة بلادي، قالوا : والله ما نحن جواسيس وإنّما نحن إخوة بنو أب واحد وهو شيخ صدّيق يُقال له : يعقوب، نبي من أنبياء الله، قال : وكم أنتم ؟.
قالوا : كُنّا إثني عشر فذهب أخٌ لنا إلى البريّة فهلك فيها، وكان أحبّنا إلى أبينا، فقال : فكم أنتم ها هنا، قالوا : عشره، قال : فأين الآخر ؟ قالوا : عند أبينا لأنّه أخ الذي هلك من أُمّه، وأبونا يتسلّى به، قال : فمن يعلم أنّ الذي تقولون حقّ ؟ قالوا : أيّها الملك إنّا ببلاد لا يعرفنا أحد، قال يوسف : فأتوني بأخيكم الذي من أبيكم إن كنتم صادقين، فأنا أرضى بذلك.
قالوا : إنّ أبانا يحزن على فراقه وسنراوده عنه وإنّا لفاعلون، قال : فدعوا بعضكم عندي رهينة حتى تأتوني بأخيكم فاقترعوا بينهم فأصابت القرعة شمعون وكان أحسنهم رأياً في يوسف وأبرّهم به فخلّفوه عنده، فذلك قوله تعالى :
يوسف :( ٥٩ ) ولما جهزهم بجهازهم.....
) ولما جهزهم بجهازهم ( يعني حمل لكل رجل منهم بعيراً بعدّتهم، ) قَالَ ائْتُوْنِي بِأَخ لَكُمْ مِنْ أَبِيْكُم ( يعني بنيامين، ) ألا تَرَوْنَ أنّي أُوْفِ الكَيْلَ ( أي لا أبخس الناس شيئاً وأُتمّ لهم كيلهم فأزيد لكم حمل بعير في خراجكم، وأكرم مثواكم، وأُحسن إليكم، ) وأنا خَيْرُ المُنْزِلِين ( المُضيّفين.
يوسف :( ٦٠ ) فإن لم تأتوني.....
) فإن لَم تأتوني بهِ فلا كيلَ لكم عندي ( ليس لكم عندي طعام أكيله لكم ) وَلاَ تَقْرَبُون ( ولا تقربوا بلادي بعد ذلك، وهو جزم يدلّ على النهي.
يوسف :( ٦١ ) قالوا سنراود عنه.....
) قَالُوا سَنُراوِدُ عَنْهُ أَبَاهُ ( نطلبه ونسأله أن يُرسله معنا، قال ابن عباس : سنخدعه حتى نخرجه معنا، ) وإنّا لفَاعِلُوْن ( ما أمرتُ به.
يوسف :( ٦٢ ) وقال لفتيانه اجعلوا.....
) وقال يُوسف لِفِتْيانِهِ ( أي لغلمانه الذين يعملون بالطعام، قرأ الحسن وحميد ويحيى والأعمش وحمزة والكسائي وحفص، لفتيانه بالألف والنون وهو اختيار أبي عبيدة، وقال : هي في مصحف عبدالله كذلك، وقرأ الباقون لفتيته بالتاء من غير ألف وهما لغتان مثل الصبيان والصبية.
) اجْعَلُوا بِضاعتهم ( أي طعامهم، قال قتادة : أوراقهم، الضحّاك عن ابن عباس قال : كانت النعل والأدم، ) في رِحالهم ( في أوعيتهم وهي جمع رحل، والجمع القليل منه الرحيل، قال ابن الأنباري : يقال للوعاء : رَحل وللمسكن رحل.
) لَعَلَّهُم يَعْرِفُوْنها إذا انْقَلَبوا ( انصرفوا، ) إلى أهلهم لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُوْن ( إليّ واختلف العُلماء في السبب الذي فعل يوسف من أجله، فقال الكلبي : تخوّف يوسف أن لا يكون عند أبيه من الورق فلا يرجعون مرّة أخرى، وقيل : خشي أن يضرّ أخذه ذلك منهم بأبيه ؛ إذ كانت السنة سنة