" صفحة رقم ٢٦١ "
قيل : فتوفّاه الله طيّباً طاهراً بمصر، ودفن في النيل في صندوق رُخام، وذلك أنّه لما مات تشاحّ الناس عليه كلٌّ يُحب أن يُدفن في محلّتهم لما يرجون من بركته، فاجتمعوا على ذلك حتى همّوا بالقتال، فرأوا أن يدفنوه في النيل حيث مفرق الماء بمصر فيمرّ الماء عليه ثمّ يصل الماء إلى جميع مصر، فيكونوا كلّهم فيه شرعاً واحداً ففعلوا.
وروى صالح المرّي، عن يزيد الرقاشي عن أنس بن مالك، قال : إنّ الله عزّ وجل لمّا جمع ليعقوب شمله خلا ولده نجيّاً، فقال بعضهم لبعض : أليس قد علمتم ما صنعتم وما لقي منكم الشيخ وما لقي منكم يوسف ؟ قالوا : بلى، قال : فإنْ أعَفَوا عنكم ولكن كيف لكم بربّكم ؟، فاستقام أمرهم على أن أتوا الشيخ فجلسوا بين يديه ويوسف إلى جنب أبيه قاعد.
قالوا : يا أبانا أتيناك في أمر لم نأتك في مثله قط، ونزل بنا أمر لم ينزل بنا مثله، حتى حرّكوه، والأنبياء ( عليهم السلام ) أرحم البريّة، فقال : ما لكم يا بَنيَّ ؟ قالوا : ألست قد علمت ما كان منّا إليك، وما كان منّا إلى أخينا يوسف ؟ قالا : بلى، وقالوا : أفلستما قد عفوتما، قالا : بلى، قالوا : فإنّ عفوكما لا يغني عنّا إنْ كان الله لم يعفُ عنّا، قال : فما تُريدون يا بَني ؟ قالوا : نُريد أن تدعو الله فإذا جاء الوحي من عند الله بأنّه قد عفا عنا صُنْعَنا قرّت أعيُننا واطمأنّت قلوبنا، وإلاّ فلا قرّة عين لنا في الدنيا أبداً، فقام الشيخ واستقبل القبلة وقام يوسف خلف أبيه، وقاموا خلفهما أذلّة خاشعين، فدعا يعقوب وأمّن يوسف فلم يجب فيهم عشرين سنة.
قال صالح المرّي : يخيفهم، حتى إذا كان رأس العشرين نزل جبرئيل على يعقوب فقال : إنّ الله تبارك وتعالى بعثني إليك أُبشّرك، فإنّه قد أجاب دعوتك في وِلدك، وإنّه قد عفا عمّا صنعوا، فإنّه قد اعتقد مواثيقهم من بعدك على النبوّة، وذلك الذي ذكرت وقصصتُ عليك.
٢ ( ) ذَلِكَ مِنْ أَنبَآءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُواْ أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ وَمَآ أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ وَمَا تَسْأَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ وَكَأَيِّن مِّن ءَايَةٍ فِى السَّمَاوَاتِ وَالاَْرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلاَّ وَهُمْ مُّشْرِكُونَ أَفَأَمِنُواْ أَن تَأْتِيَهُمْ غَاشِيَةٌ مِّنْ عَذَابِ اللَّهِ أَوْ تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ قُلْ هَاذِهِ سَبِيلِىأَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِى وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَآ أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِىإِلَيْهِمْ مِّنْ أَهْلِ الْقُرَى أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِى الاَْرْضِ فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَدَارُ الاَْخِرَةِ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ اتَّقَواْ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ جَآءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّىَ مَن نَّشَآءُ وَلاَ يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ لَقَدْ كَانَ فِى قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لاُِّوْلِى الأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَاكِن تَصْدِيقَ الَّذِى بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَىْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لْقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ( ) ٢


الصفحة التالية
Icon