" صفحة رقم ٨٦ "
فأما سبّاق الأنصار فأهل بيعة العقبة الأولى فكانوا سبعة، والثانية كانوا سبعين، والذين آمنوا حين قدم عليهم أبو زرارة مصعب بن عمير بن هاشم بن عبد الدار فعلّمهم القرآن، فهو أول من جمع الصلاة بالمدينة وكانت الأنصار تحبه فأسلم معه سعد بن معاذ وعمرو بن الجموح وبنو عبد الأشهل كلهم وخلقٌ من النساء والصبيان، وكان مصعب بن عمير صاحب راية رسول الله ( ﷺ ) يوم بدر ويوم أحد وكان وقى رسول الله ( ﷺ ) بنفسه يوم أحد حيث انهزم الناس، وبقي رسول الله ( ﷺ ) حتى نفذت المشاقص في جوفه، فاستشهد يومئذ فقال رسول الله ( ﷺ ) ( عند الله أحتسبه ما رأيت قط أشرف منه لقد رأيته بمكة وإن عليه بردين ما يدري ما قيمتهما وإنّ شراك نعليه من ذهب، وإنّ عن يمينه غلامين وعن يساره غلامين بيد كل واحد منهما ( جفنة ) من ( طعام ) يأكل ويطعم الناس، فآثره الله بالشهادة ).
وكان رسول الله ( ﷺ ) إذا ( أُهديت إليه طرفة حناها ) لمصعب بن عمير فأنزل الله تعالى فيه :) وأما من خاف مقام ربه ( الآية، وأُخذ أخوه يوم بدر أسيراً فقال : أنا أبو غدير بن عمير أخو مصعب فلم يشدد من الوثاق مع الأسرى وقالوا : هذا الطريق فاذهب حيث شئت، فقال : إني أخاف أن تقتلني قريش فذهبوا به إلى (... ) فيمدّ يده بالخبز والتمر وكان يمدّ يده إلى التمر ويدع الخبز، والخبز عند أهل المدينة أعزّ من التمر، والتمر عند أهل مكة أعزّ من الخبز فلما أصبحوا حدّثوا مصعب بن عمير وقالوا له : أخوك عندنا وأخبروه بما فعلوا به. فقال : ما هو لي بأخ ولا كرامة، فشدّوا وثاقه فإن أمه أكثر أهل البطحاء حليًّا فأرسلت أمه في طلبه ثمّ أقبل يوم أحد فلما رأى أخاه مصعب بن عمير. قال في نفسه : والله لا يقتلك غيري فما زال حتى قتله وفيه أنزل الله تعالى :) فأمّا مَن طغى وآثر الحياة الدنيا فإن الجحيم هي المأوى ( ثمّ جمعهم في الثواب فقال ) ج ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري من تحتها الأنهار ( وقرأ أهل مكة : من تحتها الأنهار ( وكذا هو في مصاحفهم ) ) خالدين فيها أبداً ذلك الفوز العظيم (.
قال الحسن بن الفضل : والفرق بينهما أن قوله ) تجري من تحتها الأنهار ( معناه تجري من تحت الأشجار، وقوله : تجري من تحتها أي ينبع الماء من تحتها ثمّ تجري من تحت الأشجار.
وروي في هذه الآية أن رسول الله ( ﷺ ) قال لمعاذ بن جبل :( أين السابقون ؟ ) قال معاذ : قد مضى ناس فقال : السابقون المستهترون بذكر الله من أراد أن يرتع في رياض الجنة