" صفحة رقم ١٩٦ "
لله تعالى خلق ينمي نماهم في العالم الواحد ولا يزدادون كزيادتهم. فإن أتت مدّة على ما ترى من زيادتهم ونمائهم فلا شك أنهم سيملؤون الأرض ويجلون أهلها منها ويظهرون عليها فيفسدون فيها. وليست تمر بنا سنة منذ جاورناهم إلاّ ونحن نتوقعهم أن يطلع علينا أوّلهم من بين هذين الجبلين، ) فهل نجعل لك خرجاً على أن تجعل بيننا وبينهم سّداً قال ما مكنّي فيه ربي خيرٌ فأعينوني بقوّة أجعل بينكم وبينهم ردماً ( : أعدّوا لي الصخور والحديد والنحاس حتّى أرتاد بلادهم، وأعلم علمهم، وأقيس ما بين جبليهم.
ثمّ انطلق يؤمّهم حتّى دفع إليهم وتوسط بلادهم فوجدهم على مقدار واحد، ذكرهم وأنثاهم، يبلغ طول الواحد منهم مثل نصف الرّجل المربوع منّا. قال علي بن أبي طالب :( منهم من طوله شبر ومنهم من هو مفرط في الطول، لهم مخالب في ( موضع ) الأظفار من بين أيدينا وأنياب وأضراس كأضراس السّباع وأنيابها يسمع لها حركة إذا أكلوا كحركة الجرّة من الإبل وكقضم البغل المسن أو الفرس القوي، ولهم هلب من الشعر في أجسادهم ما يواريهم وما يتّقون به من الحر والبرد إذا أصابهم. ولكّل واحد منهم أُذنان عظيمتان أحدهما وبرة والأخرى زغبة يلتحف إحداهما ويفترش الأخرى، ويصيف في إحداهما ويشتو في الأُخرى وليس منهم ذكر ولا أُنثى إلاّ وقد عرف أجله الذي يموت فيه، ومنقطع عمره وذلك أنه لا يموت ميّت من ذكورهم حتّى يخرج من صلبه ألف ولد، ولا تموت أُنثى حتّى يخرج من رحمها ألف ولد. فإذا كان ذلك أيقن الموت. وهم يرزقون السينان أيام الربيع كما يستمطر الغيث لحينه فيقذفون منه كلّ سنّة واحداً فيأكلونه عامهم كله إلى مثلها من القابل فيعمهم على كثرتهم، وهم يتداعون تداعي الحمام، ويعوون عواء الذئاب، ويتسافدون تسافد البهائم حيث التقوا ).
فلمّا عاين منهم ذلك ذو القرنين انصرف إلى ما بين الصدفين فقاس ما بينهما، وهو في منقطع أرض الترك ممّا يلي مشرق الشمس فوجد بعد ما بينهما مئة فرسخ، فلمّا أنشأ في عمله حفر له الأساس حتّى بلغ الماء، ثمّ جعل عرضه خمسين فرسخاً. وجعل حشوه الصخر، وطينه النحاس يُذاب ثمّ يُصب عليه فصار كأنه عرق من جبل تحت الأرض ثمّ علاّه وشرّفه بزبر الحديد والنحاس المذاب وجعل خلاله عرقاً من نحاس أصفر، فصار كأنه برد محبّر من صفرة النحاس وحمرته في سواد الحديد.
فلما فرغ منه وأحكمه انطلق عامداً إلى جماعة الإنس، فبينا هو يسير إذ دفع إلى أُمّة صالحة يهدون بالحق وبه يعدلون، فوجد أُمة مقسطة مقتصدة يقيمون بالسّوية، ويحكمون بالعدل


الصفحة التالية
Icon