" صفحة رقم ٣٠١ "
وقيل : ذو الكفل إلياس، وقيل : هو زكريّا، والله أعلم.
الأنبياء :( ٨٦ - ٨٧ ) وأدخلناهم في رحمتنا.....
) وَأَدْخَلْنَاهُمْ فِي رَحْمَتِنَا إِنَّهُمْ مِنْ الصَّالِحِينَ وَذَا النُّونِ ( واذكر صاحب النون وهو يونس بن متّى ) إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِباً ( اختلفوا في معنى الآية ووجهها فقال الضحّاك : ذهب مغاضباً لقومه، وهي رواية العوفي وغيره عن ابن عباس قال : كان يونس وقومه يسكنون فلسطين، فغزاهم ملك فسبي منهم تسعة أسباط ونصف سبط وبقي سبطان ونصف، فأوحى الله تعالى إلى شعياً النبي أن سر إلى حزقيا الملك وقل له حتى يوجّه نبياً قويّاً أميناً فإنّي أُلقي في قلوب أُولئك حتى يرسلوا معه بني إسرائيل، فقال له الملك : فمن ترى ؟ وكان في مملكته خمسة من الأنبياء، فقال : يونس، فإنّه قوي أمين، فدعا الملك يونس وأمره أن يخرج، فقال يونس : هل أمرك الله بإخراجي ؟ قال : لا، قال : فهل سمّاني لك ؟ قال : لا، قال : فها هنا غيري أنبياء أقوياء أُمناء، فالحّوا عليه فخرج مغاضباً للنبىّ وللملك ولقومه، فأتى بحر الروم فإذا سفينة مشحونة فركبها فلمّا تلججت السفينة تكفأت حتى كادوا أن يغرقوا فقال الملاّحون، ها هنا رجل عاص أو عبد آبق، ومن رسمنا أن نقترع في مثل هذا فمن وقعت عليه القرعة ألقيناه في البحر. ولئن يغرق واحد خير من أن تغرق السفينة بما فيها، فاقترعوا ثلاث مرّات فوقعت القرعة في كلّها على يونس.
فقام يونس فقال : أنا الرجل العاصي والعبد الآبق، وألقى نفسه في الماء فجاء حوت فابتلعه، ثمَّ جاء حوت آخر أكبر منه فابتلع هذا الحوت، وأوحى الله إلى الحوت : لا تؤذ منه شعرة فإنّي جعلت بطنك سجنه، ولم أجعله طعاماً لك.
وقال الآخرون : بل ذهب عن قومه مغاضباً لرّبه إذ كشف عنهم العذاب بعدما وعدهموه، وذلك أنّه كره أن يكون بين قوم قد جرّبوا عليه الخلف فيما وعدهم، واستحيا منهم، ولم يعلم السبب الذي به دفع عنهم العذاب والهلاك، فخرج مغاضباً وقال : والله لا أرجع إليهم كذّاباً أبداً، وإنّي وعدتهم العذاب في يوم فلم يأتِ.
وفي بعض الأخبار : إنّ قومه كان من عادتهم أن يقتلوا من جرّبوا عليه الكذب، فلمّا لم يأتهم العذاب للميعاد الذي وعدهم خشي أن يقتلوه، فغضب وقال : كيف أرجع إلى قومي وقد أخلفتهم الوعد ؟ ولم يعلم سبب صرف العذاب عنهم، وكيفية القصّة، وذلك أنّه كان خرج من بين أظهرهم، وقد ذكرتْ القصة بالشرح في سورة يونس.
قال القتيبي : المغاضبة مفاعلة، وأكثر المفاعلة من اثنين كالمناظرة والمخاصمة والمجادلةُ وربّما تكون من واحد كقولك : سافرت وعاقبت الرجل وطارقت النعل وشاركت الأمر ونحوها، وهي ها هنا من هذا الباب، فمعنى قوله : مغاضباً أي غضبان أنفاً، والعرب تسمّي الغضب أنفاً، والأنف غضباً لقرب أحدهما من الآخر، وكان يونس وعد قومه أن يأتيهم العذاب لأجل، فلمّا فات الأجل ولم يعذّبوا غضب وأنف أن يعود إليهم فيكذّبوه، فمضى كالنادّ الآبق إلى السفينة،


الصفحة التالية
Icon