" صفحة رقم ١٣٨ "
فأما ما كان من حليّ أو تبر أو آنية فإن الله سبحانه أمر الأرض فابتلعته فأصبحوا ولا ماشية عندهم ولا مال يعودون إليه ولا ماء يشربونه، وأصبحت زروعهم يابسة فآمن بالله عند ذلك قليل منهم وهداهم الله سبحانه إلى غار في جبل له طريق إلى خلفه، فنجوا وكانوا أحد وعشرين رجلاً وأربع نسوة وصبييّن، وكان عدّة الباقين من الرجال والنساء والذراري ستمائة ألف فماتوا عطشاً وجوعاً، ولم يبق منهم باقية، ثم عاد القوم المؤمنون إلى منازلهم فوجدوها قد صار أعلاها أسفلها فدعوا الله عند ذلك مخلصين أن يجيئهم بزرع وماشية وماء ويجعله قليلاً لئلاّ يطغوا، فأجابهم الله سبحانه إلى ذلك لما علم من صدقهم، وأطلق لهم نهرهم وزادهم على ما سألوا.
فقام أُولئك بطاعة الله ظاهرة وباطنة حتى مضى أولئك القوم وحدث من نسلهم بعدهم قوم أطاعوا الله في الظاهر ونافقوا في الباطن فأملى الله لهم، ثم كثرت معاصيهم فبعث الله سبحانه عليهم عدوّهم فأسرع فيهم القتل فبقيت شرذمة منهم، فسلّط الله عليهم الطاعون فلم يُبقِ منهم أحداً، وبقي نهرهم ومنازلهم مائتي عام لا يسكنها أحد.
ثم أتى الله سبحانه بقرن بعد ذلك فنزلوها فكانوا صالحين سنين ثم أحدثوابعد ذلك فاحشة جعل الرجل يدعو ابنته وأخته وزوجته فينيكها جاره وصديقه وأخوه يلتمس بذلك البر والصلة، ثم ارتفعوا من ذلك إلى نوع آخر استغنى الرجل بالرجل وتركوا النساء حتى شبقن فجاءتهن شيطانة في صورة امرأة وهي الدلهاث بنت إبليس وهي أُخت الشيطان، كانا في بيضة واحدة فشبهت إلى النساء ركوب بعضها إلى بعض وعلّمتهن كيف يصنعن، فأصل ركوب النساء بعضهن بعضاً من الدلهاث، فسلّط الله سبحانه على ذلك القرن صاعقة من أول الليل وخسفاً في آخر الليل وصيحةً مع الشمس، فلم يبق منهم باقية وبادت مساكنهم.
ويشهد بصحّة بعض هذه القصة ما أخبرني ابن فنجويه قال : حدّثنا أبو الطيب بن حفصويه قال : حدّثنا عبد الله بن جامع قال : حدّثنا عثمان بن خرزاذ قال : حدّثنا سلمان بن عبد الرَّحْمن قال : حدّثنا الحكم بن يعلى بن عطاء قال : حدّثنا معاوية بن عمار الدهنى عن جعفر بن محمد عن أبيه في قوله ) وأصحاب الرس ( قال : السحاقات.
وأخبرني ابن فنجويه قال : حدّثنا عبد الله بن يوسف بن أحمد بن مالك قال : حدّثنا الحسن بن إسماعيل الدينوري قال : حدّثنا أحمد بن يحيى بن مالك السوسي قال : حدّثنا نصر بن حماد قال : حدّثنا عمر بن عبد الرَّحْمن عن مكحول عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله ( ﷺ ) ( من أشراط الساعة أن يستكفي الرجال بالرجال والنساء بالنساء وذلك السحق )