" صفحة رقم ٢١٣ "
وقال بعضهم : معناه وصدَّها سليمان ما كانت تعبد من دون الله أي منعها ذلك وحال بينها وبينه، ولو قيل : وصدّها الله ذلك بتوفيقها للإسلام لكان وجهاً صحيحاً، وعلى هذين التأويلين يكون محل ) ما ( نصباً.
) إنّها كانت من قوم كافرين }
النمل :( ٤٤ ) قيل لها ادخلي.....
) قيل لها ادخلي الصَرح ( الآية. وذلك أنَّ سليمان ( عليه السلام ) لما اقبلت بلقيس تريدهُ أمَرَ الشياطين فبنوا له صرحاً أي قصراً من زجاج كأنّه الماء بياضاً، وقيل : الصرح صحن الدار، وأجرى من تحته الماء وألقى فيه كل شيء من دواب البحر، السمك وغيره، ثمَّ وضع له سريرهُ في صدرها فجلس عليه وحلقت عليه الطير والجن والإنس وإنّما أمر ببناء هذا الصرح لأنَّ الشياطين قال بعضهم لبعض : سخّر الله لسليمان عليه السلام ما سخّر وبلقيس ملكة سبأ ينكحها فتلد له غلاماً فلا ننفك من العبودية أبداً، فأرادوا أن يزهّدوه فيها فقالوا : إنَّ رِجلها رِجل حمار وإنها شَعْراء الساقين لأنّ أُمّها كانت من الجن فأرادَ أن يعلم حقيقة ذلك وينظر إلى قدميها وساقيها.
وروى محمد بن إسحاق عن بعض أهل العلم عن وهب بن منبّه قال : إنّما بنى الصرح ليختبر عقلها وفهمها، يعاينها بذلك كما فعلت هي من توجيهها إليه الوصفاء والوصائف ليمّيز بين الذكور والإناث، تعاينه بذلك، فلمّا جاءت بلقيس قيل لها : ادخلي الصرح ) فلمّا رأته حَسبَتهُ لجّة ( وهي معظم الماء وقال ابن جريج : يعني بحراً.
) وكشفت عن ساقيها ( لتخوضه إلى سليمان عليه السلام، فنظر سليمان فإذا هي أحسن الناس ساقاً وقدماً إلاّ أنّها كانت شعْراء الساقين، فلمّا رأى سليمان ذلك صرف بصره عنها وناداها ) إنّه صرح ممّرد ( مملّس مستو ) من قوارير ( وليس ببحر، فلمّا جلست قالت : يا سليمان إنّي أُريد أن أسألك عن شيء.
قال : سلي.
قالت : أخبرني عن ما ماء رُواء ولا من أرض ولا من سماء. وكان سليمان إذا جاءه شيء لا يعلمه سأل الإنس عنه، فإن كان عندهم علم ذلك وإلاّ سأل الجن، فإن علموا وإلاّ سأل الشياطين، فسأل الشياطين عن ذلك فقالوا له : ما أهون هذا من الخيل فلْتجرِ ثم املأ الآنية من عَرَقها.
فقال لها سليمان : عرق الخيل، قالت : صدقت، ثم قالت : أخبرني عن لون الربّ، فوثب سليمان عليه السلام عن سريره وخرَّ ساجداً وصعق عليه فقامت عنه وتفرّقت جنودُه وجاءهُ الرسول فقال : يا سليمان يقول لك ربك : ما شأنك ؟
قال : يا رب أنت أعلم بما قالت، قال : فإن الله يأمرك أن تعود ألى سريرك وترسل إليها وإلى مَن حضرها من جنودك وجنودها فتسألها وتسألهم عمّا سألتك عنه، ففعل ذلك سليمان ( عليه السلام )، فلمّا دخلوا عليه قال لها : عمّاذا سألتِني ؟