" صفحة رقم ٢٦٥ "
بنفسها فإذا فعلت ذلك خرج عليه بنو إسرائيل ورفضوه فاسترحنا منه، فأتوا بها فجعل لها قارون ألف درهم وقيل : ألف دينار، وقيل : طستا من ذهب، وقيل : حكمها، وقال لها : إني أُموّلك وأخلطك بنسائي على أن تقذفي موسى بنفسك غداً إذا حضر بنو إسرائيل، فلمّا أن كان الغد جمع قارون بني إسرائيل، ثم أتى موسى فقال له : إن بني إسرائيل قد اجتمعوا ينتظرون خروجك لتأمرهم وتنهاهم وتبين لهم أعلام دينهم وأحكام شريعتهم فخرج إليهم موسى و هم في براح من الأرض فقام فيهم خطيباً ووعظهم ( فكان ) فيما قال : يا بني إسرائيل من سرق قطعنا يده ومن افترى جلدناه ثمانين، ومن زنا وليست له امرأة جلدناه مائة، ومن زنا وله امرأة رجمناه حتى يموت، فقال له قارون : وإن كنت أنت ؟ قال : وإن كنت أنا، قال قارون : فإن بني إسرائيل يزعمون أنك فجرت بفلانة قال : أنا، قال : نعم، قال : ادعوها فإن قالت فهو كما قالت، فلمّا أن جاءت قال لها موسى : يا فلانة إنما أنا فعلت لك ما يقول هؤلاء، وعظم عليها وسألها بالذي فلق البحر لبني إسرائيل وأنزل التوراة على موسى إلا صدقت، فلمّا ناشدها تداركها الله بالتوفيق وقالت في نفسها : لئن أحدث اليوم توبة أفضل من أن أوذي رسول الله، فقالت : لا كذبوا، ولكن جعل لي قارون جعلاً على أن أقذفك بنفسي، فلمّا تكلمت بهذا الكلام سقط في يده قارون ونكس رأسه وسكت الملأ وعرف أنه وقع في مهلكة وخرّ ) موسى ساجداً يبكي ويقول : اللهم إن كنت رسولك، فاغضب لي، فأوحى الله سبحانه إليه : مُر الأرض بما شئت، فإنها مطيعة لك، فقال موسى : يا بني إسرائيل إنّ الله بعثني إلى قارون كما بعثني إلى فرعون، فمن كان معه فليثبت مكانه، ومن كان معي فليعتزل، فاعتزل قارون ولم يبق معه إلاّ رجلان، ثم قال موسى : يا أرض خذيهم، فأخذتهم إلى الركَب، ثم قال : يا أرض خذيهم، فأخذتهم إلى الأوساط، ثم قال : يا أرض خذيهم، فأخذتهم إلى الأعناق، وقارون وأصحابه في كل ذلك لا يلتفت إليه لشدّة غضبه عليه.
ثم قال : يا أرض خذيهم، فانطبقت عليهم الإرض، وأوحى الله تعالى إلى موسى : يا موسى ماأفظك. استغاثوا بك سبعين مرة فلم ترحمهم ولم تغثهم، أما وعزتي لو إياي دعوا لوجدوني قريباً مجيباً.
قال قتادة : وذكر ( لنا ) أنّه يخسف به كلّ يوم قامة وأنّه يتخلخل فيها لا يبلغ قعرها إلى يوم القيامة، قالوا : وأصبحت بنو إسرائيل يتناجون فيما بينهم أنّ ( موسى ) إنّما دعا على قارون ليستبد بداره وكنوزه وأمواله، فدعا اللهَ موسى حتى يخسف بداره وأمواله الأرض.
وأوحى الله سبحانه إلى موسى : إنّي لا أعبّد الأرض لأحد بعدك أبداً، فذلك قوله تعالى :) فخسفنا به وبداره الأرض ( ) فما كان له من فئة ينصرونه من دون الله وما كان من


الصفحة التالية
Icon