" صفحة رقم ٧٤ "
فقالت : أي بنيّة هوّني عليك، فوالله لقلّ ما كانت امرأة قطّ وضيئة عند رجل يحبّها ولها ضرائر إلاّ أكثرن عليها، قلت : سبحان الله أو قد تحدّث الناس بهذا ؟ قالت : نعم، قالت : فمكثت تلك الليلة حتى أصبحت لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم، ثمَّ أصبحت أبكي، ودعا رسول الله ( ﷺ ) علىّ بن أبي طالب وأُسامة بن زيد حين استلبث الوحي واستشارهما في فراق أهله.
فأمّا أُسامة فأشار على رسول الله ( ﷺ ) بالذي يعلم من براءة أهله، وبالذي يعلم في نفسه لهم من الودّ، فقال : يا رسول الله هم أهلك ولا نعلم إلاّ خيراً، وأمّا علىّ فقال : لم يضيّق الله عليك، والنساء سواها كثير، وإن تسأل الجارية تصدقك.
قالت : فدعا رسول الله ( ﷺ ) بريرة فقال : أي بريرة هل رأيت من شيء يريبك من أمر عائشة ؟ فقالت له بريرة : والذي بعثك بالحق إن رأيت عليها أمراً قط أُغمضه عليها أكثر من أنها جارية حديثة السن تنام عن عجين أهلها فيأتي الداجن فيأكله.
قالت : فقام رسول الله ( ﷺ ) فاستعذر من عبد الله بن أبي بن سلول قال وهو على المنبر :( يا معشر المسلمين من يعذرني من رجل قد بلغني أذاه في أهلي، فوالله ما علمت على أهلي إلاّ خيراً ولقد ذكروا رجلاً ما علمت عليه إلاّ خيراً وما كان يدخل على أهلي إلاّ معي ).
فقام سعد بن معاذ الأنصاري فقال : أعذرك يا رسول الله، إن كان من الأوس ضربت عنقه، وإن كان من إخواننا من الخزرج أمرتنا ففعلنا أمرك.
قالت : فقال سعد بن عبادة وهو سيّد الخزرج، وكان رجلاً صالحاً ولكن احتملته الحميّة فقال لسعد بن معاذ : كذبت لعمر الله، فقال سعد : والله لنقتله فإنك منافق تجادل عن المنافقين.
قالت : فثار الأوس والخزرج حتّى همّوا أن يقتتلوا ورسول الله ( ﷺ ) قائم على المنبر فلم يزل رسول الله ( ﷺ ) يخفضهم حتى سكتوا وسكت.
قالت : ومكثت يومي ذلك لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم، وأبواي يظنّان أنّ البكاء فالق كبدي.
قالت : فبينا هما جالسان عندي وأنا أبكي استأذنت عليَّ امرأة من الأنصار فأذنت لها فجلست تبكي معي، فبينا نحن على ذلك دخل علينا رسول الله ( ﷺ ) فسلّم ثمَّ جلس، قالت : ولم يجلس عندي منذ قيل لي ما قيل، وقد لبث شهراً لا يوحى إليه في شأني، قالت : فتشهّد رسول الله ( ﷺ ) حين جلس ثمَّ قال : أما بعد يا عائشة فإنّه بلغني عنك كذا وكذا فإن كنت بريئة فسيبرئك