" صفحة رقم ٨٤ "
أقبلت فيما يذكرون فأرة حمراء إلى هرة من تلك الهرر فساورتها حتى استأخرت عنها الهرة، فدخلت في الفرجة التي كانت عندها فتغلغلت في السد فنقبت وحفرت حتى وهنته للسيل وهم لا يعلمون ذلك. فلما جاء السيل وجد خللاً فدخل فيه حتى قلع السد وفاض على أموالهم فغرّقها ودفن بيوتَهم الرملُ، وفرّقوا ومزقوا حتى صاروا مثلاً عند العرب ( فقالوا ) : تفرقوا أيادي سبأ، وأيدي سبأ، فذلك قوله تعالى :) فأرسلنا عليهم سيل العرم (.
وقيل : العرم هو المطر الشديد من العرامة وهي التمرّد والعصيان.
) وبدلناهم بجنتيهم جنتين ذواتي أُكل خمط ( قراءة العامة بالتنوين، وقرأ أبو عمرو ويعقوب بالإضافة، وهما متقاربتان كقول العرب : في بستان فلان أعنابُ كرم وأعنابٌ كرمٌ، فتضيف أحياناً الأعناب إلى الكرم ؛ لأنه منه، وتنون أحياناً الأعناب، ثم يترجم بالكرم عنها ؛ إذ كانت الأعناب ثمر الكرم.
والأكل : الثمر، والخمط : الأراك في قول أكثر المفسرين، وقيل : كل شجرة ذات شوك، وقيل : شجرة الغضا، وقيل : هو كل نبت قد أخذ طعماً من المرارة حتى لا يمكن أكله، ) وأثل ( وهو الطرفاء، عن ابن عباس، وقيل : هو شجر شبيه بالطرفاء إلاّ أنه أعظم منه، وقال الحسن : الإثل الخشب. قتادة : ضرب من الخشب، وقيل : هو السمر. أبو عبيدة : هو النضار. ) وشيء من سدر قليل (، قال قتادة : بينما شجر القوم من خير الشجر إذ صيره الله من شر الشجر بأعمالهم. قال الكلبي : فكانوا يستظلون بالشجر ويأكلون البربر وثمر السدر وأبوا أن يجيبوا الرُسل
سبأ :( ١٧ ) ذلك جزيناهم بما.....
) ذلك ( الذي جعلنا بهم، ) جزيناهم بما كفروا ( أي بكفرهم، ومحل ذلك نصب بوقوع المجازاة عليه، تقديره جزيناهم ذلك بما كفروا :) وهل نجازي إلاّ الكفور ( قرأ أهل الكوفة بالنون وكسر الزاي ونصب الراء، واختاره أبو عبيدة قال :( لقوله ) :) جزيناهم (، ولم يقل : جُوزوا، وقرأ الآخرون بياء مضمومة وفتح الزاي ورفع الراء، ومعنى الآية : وهل يُجازى مثل هذا الجزاء إلاّ الكفور، وقال مجاهد : يجازي أي يُعاقب.
سبأ :( ١٨ ) وجعلنا بينهم وبين.....
) وجعلنا بينهم وبين القرى التي باركنا فيها ( وهي الشام ) قرىً ظاهرةً ( أي متواصلة تظهر الثانية من الأُولى لقربها منها. قال الحسن : كان أحدهم يغدوا فيقيل في قرية ويروح فيأوي إلى أُخرى، وكانت المرأة تخرج معها مغزلها وعلى رأسها مكتلها ثم تمتهن بمغزلها فلا تأتي بيتها حتى يمتلئ مكتلها من الثمار، وكان ما بين اليمن والشام كذلك.
وقال ابن عباس : قرئ ظاهرة يعني : قرئ عربيّة بين المدينة والشام. سعيد بن جُبير : هي القرى التي ما بين مأرب والشام. مجاهد : هي السروات، وهب بن منبه : هي قرى صنعاء.