" صفحة رقم ٨٥ "
) وقدرنا فيها السير ( أي جعلنا السير بين قراهم والقرى التي باركنا فيها سيراً مقدراً من منزل إلى منزل، ومن قرية إلى قرية، لا ينزلون إلاّ في قرية، ولا يغدون إلاّ في قرية، وقلنا لهم :) سيروا فيها ليالي وأياماً ( وقت شئتم ) آمنين ( : لا تخافون عدوّاً ولا جوعاً ولا عطشاً، ولا تحتاجون إلى زاد ولا ماء، فبطروا وطغوا ولم يصبروا على العافية وقالوا : لو كان جَنْيُ جِنانِنا أبعد مما هي كان أجدر أن نشتهيه.
سبأ :( ١٩ ) فقالوا ربنا باعد.....
) فقالوا ربنا باعد بين أسفارنا ( : فاجعل بيننا وبين الشام فلوات ومفاوز لنركب فيها الرواحل، ونتزود الأزواد. فجعل الله لهم الإجابة، واختلف القراء في هذه الآية ؛ فقرأ ابن كثير وأبو عمرو :( ربنا بعّد )، على وجه الدعاء والسؤال من ( التبعيد )، وهي رواية هشام عن قرّاء الشام، وقرأ ابن الحنفية ويعقوب :) ربُنا ( برفع الباء ) بَاعَدَ ( بفتح الباء والعين والدال على الخبر، وهي اختيار أبي حاتم، استبعدوا أسفارهم بطراً منهم وأشراً، وقرأ الباقون :) ربَّنا ( بفتح الباء، ) باعِدْ ( بالألف وكسر العين وجزم الدال على الدعاء، ففعل الله ذلك بهم، فقال :) وظلموا أنفسهم ( بالكفر والبطر والطغيان، ) فجعلناهم أحاديث ( : عظة وعبرة يتمثل بهم، ) ومزقناهم كل ممزق (، قال الشعبي : أما غسان فلحقوا بالشام، وأما الأنصار فلحقوا بيثرب، وأما خزاعة فلحقوا بتهامة، وأما الأزد فلحقوا بعمان.
وقال ابن إسحاق : يزعمون أنّ عمران بن عامر وهو عم القوم كان كاهناً فرأى في كهانته أنّ قومه سيمزقون ويباعد بين أسفارهم، فقال لهم : إني قد علمت أنكم ستمزقون، فمن كان منكم ذا همَ بعيد وحمل شديد ومزاد جديد فليلحق بكاسن أو كرود، قال : فكان وادعة بن عمرو.
ومن كان منكم يُريد عيشاً هانئاً وحرماً آمناً فليلحق بالأردن فكانت خزاعة، ومن كان منكم يُريد الراسيات في الرجل والمطعمات في المحل، فليلحق بيثرب ذات النخل، فكان الأوس والخزرج، ومن كان منكم يُريد خمراً وخميراً وذهباً وحريراً وملكاً وتأميراً، فليلحق بكوثى وبصرى، فكانت غسان بنو جفنة ملوك الشام، ومن كان منهم بالعراق.
) إنّ في ذلك لآيات لكلّ صبار شكور ( قال مطرف : هو المؤمن الذي إذا أُعطي شكر وإذا ابتلي صبر.
سبأ :( ٢٠ ) ولقد صدق عليهم.....
قوله :) ولقد صدق عليهم (، قرأ أهل الكوفة : بتشديد الدال وهي قراءة ابن عباس واختيار أبي عبيد، أي ظن فيهم ظناً حيث قال :) فبعزتك لأُغوينَّهم أجمعين (، وقال :) ولا تجد أكثرهم شاكرين (، فصدّق ظنه وحقّقه لفعله ذلك بهم واتّباعهم إياه، وقرأ الآخرون :) صدَق ( بالتخفيف أي صدق عليهم في ظنه بهم.