" صفحة رقم ٢٥٩ "
فردّوا عليهم، فقاموا على أرجلهم ينتظرون أن يوسّع لهم، فعرف النبي ( عليه السلام ) ما يحملهم على القيام فلم يفسحوا لهم، فشقّ ذلك على النبيّ ( ﷺ ) فقال لمن حوله من المهاجرين والأنصار والتابعين من غير أهل بدر :( قم يا فلان وأنت يا فلان ).
فأقام من المجلس بقدر النفر الذين قاموا بين يديه من أهل بدر، فشقّ ذلك على من أُقيم من مجلسه، وعرف النبيّ ( ﷺ ) ( عليه السلام ) الكراهية في وجوهم، فقال المنافقون للمسلمين : ألستم تزعمون أنّ صاحبكم يعدل بين الناس ؟ فوالله ما عدل على هؤلاء، أنّ قوماً أخذوا مجالسهم وأحبّوا القرب من نبيّهم فأقامهم وأجلس من أبطأ عنه مقامهم، فأنزل الله سبحانه هذه الآية.
وقال الكلبي : نزلت في ثابت بن قيس بن الشماس وقد ذكرت هذه القصّة في سورة الحجرات فأنزل الله عزّ وجلّ في الرجل الذي لم يتفّسح له ) يا أيّها الذين آمنوا إذا قيل لكم تفسّحوا ( : توسّعوا، ومنه قولهم : مكان فسيح إذا كان واسعاً في المجلس.
قرأ السلمي والحسن وعاصم ) في المجالس ( بالألف على الجمع، وقرأ قتادة :( تفاسحوا ) بالألف فيهما، وقرأ الآخرون ) تفسّحوا ( ( في المجْلس ) يعنون مجلس النبيّ ( ﷺ ) واختاره أبو حاتم وأبو عبيد قال : لأنّه قراءة العامّة، مع أن المجلس يؤدي معناه عن المجالس كلّها من مجلس النبيّ ( ﷺ ) ( عليه السلام ) وغيره.
أخبرنا ابن فنجويه قال : حدّثنا القطيعي قال : حدّثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال : حدّثنا أبي قال : حدّثنا عبد الملك بن عمرو قال : حدّثنا فليح، عن أيوب بن عبد الرحمن بن صعصعة ( الأنصاري، عن يعقوب ) بن أبي يعقوب، عن أبي هريرة عن النبي ( ﷺ ) قال :( لا يقم الرجل من مجلسه ثم يجلس فيه ولكن افسحوا يفسح الله لكم ).
وقال أبو العالية والقرظي : هذا في مجالس الحرب ومقاعد القتال، كان الرجل يأتي القوم في الصّف فيقول لهم : توسّعوا، فيأبون عليه لحرصهم على القتال، فأمرهم الله سبحانه أن يفسح بعضهم لبعض. وهذه رواية العوفي عن ابن عباس.
قال الحسن : بلغني أنّ رسول الله ( ﷺ ) كان إذا قاتل المشركين وصفّ أصحابه للقتال تشاحّوا على الصف الأوّل ليكونوا في أوّل غارة القوم، فكان الرجل منهم يجيء إلى الصّف الأوّل فيقول لإخوانه : توسّعوا لي ؛ ليلقى العدوّ ويصيب الشهادة، فلا يوسّعون له رغبة منهم في الجهاد والشهادة، فأنزل الله سبحانه هذه الآية