والقيام بحقوق الصبر أيشر من القيام بحقوق الشكر فصارت المنحة أعظم البلاءين، وبهذا النظر قال عمر: (بلينا بالضراء فصبرنا وبلينا بالسراء فلم نشكر) (انظر الزهد لابن المبارك ص ١٨٢، والرياض النضرة للطبري ٤/٣١٤، وسنن الترمذي ٣/٣٠٧)، ولهذا قال أمير المؤمنين: من وسع عليه دنياه فلم يعلم أنه قد مكر به فهو مخدوع عن عقله (انظر ربيع الأبرار ١/٤٥).
وقال تعالى: ﴿ونبلوكم بالشر والخير فتنة﴾ [الأنبياء/٣٥]، ﴿وليبلي المؤمنين منه بلاء حسنا﴾ (وانظر: بصائر ذوي التمييز ٢/٢٧٤، فقد نقل الفيروز آبادي غالب هذا الباب) [الأنفال/١٧]، وقوله عز وجل: ﴿وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم﴾ [البقرة/٤٩]، راجع إلى الأمرين؛ إلى المحنة التي في قوله عز وجل: ﴿ويذبحون أبناءكم ويستحيون نساءكم﴾ [البقرة/٤٩]، وإلى المنحة التي أنجاهم، وكذلك قوله تعالى: ﴿وآتيناهم من الآيات ما فيه بلاء مبين﴾ [الدخان/٣٣]، راجع إلى الأمرين، كما وصف كتابه بقوله: ﴿قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء والذين لا يؤمنون في آذانهم وقر وهو عليهم عمى﴾ [فصلت/٤٤].
وإذا قيل: ابتلى فلان كذا وأبلاه فذلك يتضمن أمرين: أحدهما تعرف حاله والوقوف على ما يجهل من أمره، والثاني ظهور جودته ورداءته، وربما قصد به الأمران، وربما يقصد به أحدهما، فإذا قيل في الله تعالى: بلاء كذا وأبلاه فليس المراد منه إلا ظهور جودته ورداءته، دون التعرف لحاله، والوقوف على ما يجهل من أمره إذ كان الله علام الغيوب، وعلى هذا قوله عز وجل: ﴿وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن﴾ [البقرة/١٢٤].
ويقال: أبليت فلانا يمينا: إذا عرضت عليه اليمين لتبلوه بها (انظر: اللسان (بلا) ١٤/٨٤).
بلى