فأما في وصفه تعالى نحو: ﴿العزيز الجبار المتكبر﴾ [الحشر/٢٣]، فقد قيل: سمى بذلك من قولهم: جبرت الفقير؛ لأنه هو الذي يجبر الناس بفائض نعمه، وقيل: لأنه يجبر الناسن أي: يقهرهم على ما يريده (انظر: الأسماء والصفات للبيهقي ص ٤٨).
ودفع بعض أهل اللغة (وهو ابن قتيبة في غريب الحديث ٢/١٤٥) ذلك من حيث اللفظ، فقال: لا يقال من (أفعلت) فعال، فجبار لا يبنى من: أجبرت، فأجيب عنه بأن ذلك من لفظ الجبر المروي في قوله: (لا جبر ولا تفويض) لا من لفظ الإجبار (قال ابن الأثير: يكون من اللغة الأخرى، يقال: جبرت وأجبرت بمعنى قهرت. وانظر: النهاية ١/٢٣٦؛ ومعاني الفراء ٣/٨١؛ والغريبين ١/٣١٢)، وأنكر جماعة من المعتزلة ذلك من حيث المعنى فقالوا: يتعالى الله عن ذلك، وليس ذلك بمنكر فإن الله تعالى قد أجبر الناس على أشياء لا انفكاك لهم منها حسبما تقتضيه الحكمة الإلهية، لا على ما تتوهمه الغواة والجهلة، وذلك كإكراههم على المرض والموت والبعث وسخر كلا منهم لصناعة يتعاطاها، وطريقة من الأخلاق والأعمال يتحراها، وجعله مجبرا في صورة مخير، فإما راض بصنعته لا يريد عنها حولا؛ وإما كاره لها يكابدها مع كراهيته لها، كأنه لا يجد عنها بدلا ولذلك قال تعالى: ﴿فتقطعوا أمرهم بينهم زبرا كل حزب بما لديهم فرحون﴾ [المؤمنون/٥٣]، وقال عز وجل: ﴿نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا﴾ [الزخرف/٣٢]، وعلى هذا الحد وصف بالقاهر، وهو لا يقهر إلا على ما تقتضي الحكمة أن يقهر عليه، وقد روي عن أمير المؤمنين رضي الله عنه: (يا بارئ المسموكات وجبار القلوب على فطرتها شقيها وسعيدها).