وقوله عز وجل: ﴿ولا يجرمنكم شنآن قوم على أن لا تعدلوا﴾ [المائدة/٨]، قوله عز وجل: ﴿فعلي إجرامي﴾ [هود/٣٥]، فمن كسر (اتفق جميع القراء على كسر الهمزة من ﴿إجرامي﴾ ) فمصدر، ومن فتح (وهي قراءة شاذة) فجمع جرم.
واستعير من الجرم - أي: القطع - جرمت صوف الشاة، وتجرم الليل (أي: ذهب).
والجرم في الأصل: المجروم، نحو نقض ونفض للمنقوض والمنفوض، وجعل اسما للجسم المجروم، وقولهم: فلان حسن الجرم، أي: اللون، فحقيقته كقولك: حسن السخاء.
وأما قولهم: حسن الجرم، أي: الصوت (قال ابن مالك:

كسب وأرض ذات حر جرم وعرب والقطع، أما الجرم
فالجسم والصوت، وأما الجرم فالذنب لا عوملت بالإذناب).
فالجرم في الحقيقة إشارة إلى موضع الصوت لا إلى ذات الصوت، ولكن لما كان المقصود بوصفه بالحسن هو الصوت فسر به، كقولك: فلان طيب الحلق، وإنما ذلك إشارة إلى الصوت لا إلى الحلق نفسه. وقوله عز وجل: ﴿لا جرم﴾ (الآية: ﴿لا جرم أن لهم النار﴾ من سورة النحل: رقم (٦٢) ) قيل: إن (لا) يتناول محذوفا، نحو (لا) في قوله تعالى: ﴿لا أقسم﴾ [القيامة/١]، وفي قول الشاعر:
*لا وأبيك ابنة العامري *
*** (الشطر لامرئ القيس، وعجزه:
*لا يدعي القوم أني أفر*
وهو في ديوانه ص ٦٨)
ومعنى جرم: كسبن أو جنى. و: ﴿أن لهم النار﴾ [النحل/٦٢]، في موضع المفعول، كأنه قال: كسب لنفسه النار.


الصفحة التالية
Icon