والثاني: أن تكون أعمالا أخروية، لكن لم يقصد بها صاحبها وجه الله تعالى، كما روي: (أنه يؤتى يوم القيامة برجل فيقال له: بم كان اشتغالك؟ قال: بقراءة القرآن، فيقال له: قد كنت تقرأ ليقال: هو قارئ، وقد قيل ذلك، فيؤمر به إلى النار) (الحديث ذكره المؤلف بمعناه، وهو عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: (إن أول الناس يقضى يوم القيامة عليه رجل استشهد، فأتى به فعرفه نعمه فعرفها. قال: فما عملت فيها؟ قال: قاتلت فيك حتى استشهدت، قال: كذبت، ولكنك قاتلت لأن يقال: فلان جريء، فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار، ورجل تعلم العلم وعلمه وقرأ القرآن، فأتى به فعرفه نعمه فعرفها. قال: فما عملت فيها؟ قال: تعلمت العلم وعلمته، وقرأت فيك القرآن، قال: كذبت ولكنك تعلمت ليقال: عالم، وقرأت القرآن ليقال: هو قارئ فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار... ) الحديث أخرجه مسلم والنسائي، والترمذي وحسنه، وابن حبان في صحيحه. انظر: الترغيب والترهيب ١/٢٩؛ وعارضة الأحوذي ٩/٢٢٦؛ ومسند أحمد ٢/٣٢١؛ وسنن النسائي ٦/٢٣؛ ومسلم في الإمارة، باب من قاتل للرياء برقم (١٩٠٥) ؛ وانظر: شرح النسة ١٤/٣٣٤).
والثالث: أن تكون أعمالا صالحة، ولكن بإزائها سيئات توفي عليها، وذلك هو المشار إليه بخفة الميزان.
وأصل الحبط من الحبط، وهو أن تكثر الدابة أكلا حتى ينتفخ بطنهان وقال عليه السلام: (إن مما ينبت الربيع ما يقتل حبطا أو يلم) (الحديث في الصحيحين، راجع فتح الباري ١١/٢٤٤ باب ما يحذر من زهرة الدنيا؛ ومسلم رقم (١٠٥٢). ورواية البخاري: (إن هذا المال خضرة حلوة، وإن كل ما أنبت الربيع يقتل حبطا أو يلم إلا آكلة الخضرة). وسمي الحارث الحبط (قال في اللسان: والحبط: الحارث بن مازن بن مالك بن عمرو بن تميم، سمي بذلك لأنه كان في سفر فأصابه مثل الحبط الذي يصيب الماشية فنسبوا إليه. انتهى.
أقول: وفي شعر الفرزدق: