وجملة الأمر أن من أراد شيئا فاتفق منه غيره يقال: أخطأ، وإن وقع منه كما أراده يقال: أصاب، وقد يقال لمن فعل فعلا لا يحسن، أو أراد إرادة لا تجمل: إنه أخطأ، ولهذا يقال (انظر تفسير الراغب ورقة ٥٦) : أصاب الخطأ، وأخطأ الصواب، وأصاب الصواب، وأخطأ الخطأ، وهذه اللفظة مشتركة كما ترى، مترددة بين معان يجب لمن يتحرى الحقائق أن يتأملها. وقوله تعالى: ﴿وأحاطت به خطيئته﴾ [البقرة/٨١]. والخطيئة والسيئة يتقاربان، لكن الخطيئة أكثر ما تقال فيما لا يكون مقصودا إليه في نفسه، بل يكون القصد سببا لتولد ذلك الفعل منه، كمن يرمي صيدا فأصاب إنسانا، أو شرب مسكرا فجنى جناية في سكره، والسبب سببان: سبب محظور فعله، كشرب المسكر وما يتولد عنه من الخطإ غير متجاف عنه، وسبب غير محظور، كرمي الصيد، قال تعالى: ﴿وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم﴾ [الأحزاب/٥]، وقال تعالى: ﴿ومن يكسب خطيئة أو إثما﴾ [النساء/١١٢]، فالخطيئة ههنا هي التي لا تكون عن قصد إلى فعله، قال تعالى: ﴿ولا تزد الظالمين إلا ضلالا﴾ [نوح/٢٤]، ﴿مما خطيئاتهم﴾ [نوح/٢٥]، ﴿إنا نطمع أن يغفر لنا ربنا خطايانا﴾ [الشعراء/٥١]، ﴿ولنحمل خطاياكم وما هم بحاملين من خطاياهم من شيء﴾ [العنكبوت/١٢]، وقال تعالى: ﴿والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين﴾ [الشعراء/٨٢]، والجمع الخطيئات والخطايا، وقوله تعالى: ﴿نغفر لكم خطاياكم﴾ [البقرة/٥٨]، فهي المقصود إليها، والخاطيء (قال الأموي: المخطئ من أراد الصواب فصار إلى غيره، والخاطئ من تعمد لما لا ينبغي. انظر: العباب (خطأ) ) هو القاصد للذنب، وعلى ذلك قوله: ﴿ولا طعام إلا من غسلين *** لا يأكله إلا الخاطئون﴾ [الحاقة/٣٦ - ٣٧]، وقد يسمى الذنب خاطئة في قوله تعالى: ﴿والمؤتفكات بالخاطئة﴾ [الحاقة/٩]، أي: الذنب العظيم، وذلك نحو قولهم: شعر شاعر. فأما ما لم يكن مقصودا فقد ذكر عليه السلام أنه متجافى عنه، وقوله تعالى: {نغفر لكم


الصفحة التالية
Icon