والثاني: في الكذب نحو قوله: ﴿وتخلقون إفكا﴾ [العنكبوت/١٧]، إن قيل: قوله تعالى: ﴿فتبارك الله أحسن الخالقين﴾ [المؤمنون/١٤]، يدل على أنه يصح أن يوصف غيره بالخلق؟ قيل: إن ذلك معناه: أحسن المقدرين، أو يكون على تقدير ما كانوا يعتقدون ويزعمون أن غير الله يبدع، فكأنه قيل: فاحسب أن ههنا مبدعين وموجدين، فالله أحسنهم إيجادا على ما يعتقدون، كما قال: ﴿خلقوا كخلقه فتشابه الخلق عليهم﴾ [الرعد/١٦]، ﴿ولآمرنهم فليغيرن خلق الله﴾ [النساء/١١٩]، فقد قيل: إشارة إلى ما يشوهونه من الخلقة بالخصاء، ونتف اللحية، وما يجري مجراه، وقيل معناه: يغيرون حكمه، وقوله: ﴿لا تبديل لخلق الله﴾ [الروم/٣٠]، فإشارة إلى ما قدره وقضاه، وقيل معنى: ﴿لا تبديل لخلق الله﴾ نهى، أي: لا تغيروا خلقه الله، وقوله: ﴿وتذرون ما خلق لكم ربكم﴾ [الشعراء/١٦٦]، فكناية عن فروج النساء (قال مجاهد في الآية: تركتم أقبال النساء إلى أدبار الرجال وأدبار النساء. راجع: الدر المنثور ٦/٣١٧). وكل موضع استعمل الخلق في وصف الكلام فالمراد به الكذب، ومن هذا الوجه امتنع كثير من الناس من إطلاق لفظ الخلق على القرآن (قال السمين: قوله هذا يشعر بأن لا مانع من إطلاق الخلق على القرآن إلا ذلك، وليس الأمر كذلك، بل القرآن كلامه غير مخلوق. انظر عمدة الحفاظ: خلق)، وعلى هذا قوله تعالى: ﴿إن هذا إلا خلق الأولين﴾ [الشعراء/١٣٧]، وقوله: ﴿ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة إن هذا إلا اختلاق﴾ [ص/٧]، [والخلق يقال في معنى المخلوق، والخلق والخلق في الأصل واحد، كالشرب والشرب، والصرم والصرم، لكن خص الخلق بالهيئات والأشكال والصور المدركة بالبصر، وخص بالقوى والسجايا المدركة بالبصيرة] (ما بينا القوسين ذكره المؤلف في الذريعة ص ٣٩). قال تعالى: ﴿وإنك لعلى خلق عظيم﴾ [القلم/٤]، وقرئ: ﴿إن هذا إلا خلق الأولين﴾ (سورة الشعراء: آية ١٣٧، وبها قرأ ابن كثير وأبو عمرو ويعقوب وأبو جعفر والكسائي. انظر:


الصفحة التالية
Icon