تبقى عواقب سوء من مغبتها *** لا خير في لذة من بعدها النار). وخير وشر مقيدان، وهو أن يكون خيرا لواحد شرا لآخر، كالمال الذي ربما يكون خيرا لزيد وشرا لعمروا، ولذلك وصفه الله تعالى بالأمرين فقال في موضع: ﴿إن ترك خيرا﴾ [البقرة/١٨٠]، وقال في موضع آخر: ﴿أيحسبون أنما نمدهم به من مال وبنين *** نسارع لهم في الخيرات﴾ [المؤمنون/٥٥ - ٥٦]، وقوله تعالى: ﴿إن ترك خيرا﴾ [البقرة/١٨٠]، أي: مالا. وقال بعض العلماء: لا يقال للمال خير حتى يكون كثيرا، ومن مكان طيب، كما روي أن عليا رضي الله عنه دخل على مولى له فقال: ألا أوصي يا أمير المؤمنين؟ قال: لا، لأن الله تعالى قال: ﴿إن ترك خيرا﴾ [البقرة/١٨٠]، وليس لك مال كثير (الخبر ذكره البيهقي في سننه ٦/٢٧٠ وعبد الرزاق ٩/٦٢ والحاكم ٢/٢٧٣، وفيه انقطاع)، وعلى هذا قوله: ﴿وإنه لحب الخير لشديد﴾ [العاديات/٨]، أي: المال الكثير وقال بعض العلماء: إنما سمي المال ها هنا خيرا تنبيها على معنى لطيف، وهو أن الذي يحسن الوصية به ما كان مجموعا من المال من وجه محمود، وعلى هذا قوله: ﴿قل ما أنفقتم من خير فللوالدين﴾ [البقرة/٢١٥]، وقال: ﴿وما تنفقوا من خير فإن الله به عليم﴾ [البقرة/٢٧٣]، وقوله: ﴿فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا﴾ [النور/٣٣]، قيل: عنى به مالا من جهتهم (وهذا قول ابن عباس وعطاء. راجع: الدر المنثور ٥/١٩٠)، وقيل: إن علمتم أن عتقهم يعود عليكم وعليهم بنفع، أي: ثواب (أخرج عبد الرزاق وغيره عن أنس بن مالك قال: سألني سيرين المكاتبة، فأبيت عليه، فأتى عمر بن الخطاب فأقبل علي بالدرة، وقال: كاتبه، وتلا: ﴿فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا﴾ فكاتبته. راجع: الدر المنثور ٥/١٩٠). والخير والشر يقالان على وجهين:
أحدهما: أن يكونا اسمين كما تقدم، وهو قوله: ﴿ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير﴾ [آل عمران/١٠٤].


الصفحة التالية
Icon