والثاني: أن يقال لاعتدال الشيء في ذاته، نحو: ﴿ذو مرة فاستوى﴾ [النجم/ ٦]، وقال: ﴿فإذا استويت أنت﴾ [المؤمنون/٢٨]، ﴿لتستووا على ظهوره﴾ [الزخرف/١٣]، ﴿فاستوى على سوقه﴾ [الفتح/٢٩]، واستوى فلان على عمالته، واستوى أمر فلان، ومتى عدي بعلى اقتضى معنى الاستيلاء، كقوله: ﴿الرحمن على العرش استوى﴾ [طه/٥]، وقيل: معناه استوى له ما في السموات وما في الأرض، أي: استقام الكل على مراده بتسوية الله تعالى إياه، كقوله: ﴿ثم استوى إلى السماء فسواهن﴾ [البقرة/٢٩]، وقيل: معناه استوى كل شيء في النسبة إليه، فلا شيء أقرب إليه من شيء، إذ كان تعالى ليس كالأجسام الحالة في مكان دون مكان.
وإذا عدي بإلى اقتضى معنى الانتهاء إليه، إما بالذات، أو بالتدبير، وعلى الثاني قوله: ﴿ثم استوى إلى السماء وهي دخان﴾ [فصلت/١١]، وتسوية الشيء: جعله سواء؛ إما في الرفعة؛ أو في الضعة، وقوله: ﴿الذي خلقك فسواك﴾ [الانفطار/٧]، أي: جعل خلقتك على ما اقتضت الحكمة، وقوله: ﴿ونفس وما سواها﴾ [الشمس/٧]، فإشارة إلى القوى التي جعلها مقومه للنفس، فنسب الفعل إليها، وقد ذكر في غير هذا الموضع أن الفعل كما يصح أن ينسب إلى الفاعل يصح أن ينسب إلى الآلة، وسائر ما يفتقر الفعل إليه، نحو: سيف قاطع.
وهذا الوجه أولى من قول من قال: أراد ﴿ونفس وما سواها﴾ [الشمس/٧]، يعني الله تعالى (وهو قول ابن جرير ٣٠/٢١٠. قال: و (ما) موضع (من) )، فإن (ما) لا يعبر به عن الله تعالى؛ إذ هو موضوع للجنس، ولم يرد به سمع يصح، وأما قوله: ﴿سبح اسم ربك الأعلى *** الذي خلق فسوى﴾ [الأعلى/١ - ٢]، فالفعل منسوب إليه تعالى، وكذا قوله: ﴿فإذا سويته ونفخت فيه من روحي﴾ [الحجر/ ٢٩]، وقوله: ﴿رفع سمكها فسواها﴾ [النازعات/٢٨]، فتسويتها يتضمن بناءها، وتزيينها المذكور في قوله: ﴿إنا زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب﴾ [الصافات/٦].