ولما شبه في حكم اللفظ بعض الأشياء بالذكر فذكر أحكامه، وبعضها بالأنثى فأنث أحكامها، نحو: اليد والأذن، والخصية، سميت الخصية لتأنيث لفظ الأنثيين، وكذلك الأذن. قال الشاعر:
*ضربناه تحت الأنثيين على الكرد*
(هذا عجز بيت للفرزدق، وشطره:
*وكنا إذا القيسي نب عوده*
وهو في ديوانه ١٦٠؛ والحجة في القراءات للفارسي ٢/٥٦؛ والمحكم ٦/٤٦٥)
وقال آخر:
*وما ذكر وإن يسمن فأنثى*
(الشطر لم أجد قائله، وعجزه: شديد الأزم ليس له ضروس وهو في اللسان والصحاح (ضرس) ؛ والتكملة للفارسي ص ٣٦٤؛ والاقتضاب ص ٤١٨؛ وحياة الحيوان للدميري ١/٣٣٨؛ والمسائل البصريات ١/٣٨١ ويروي [يكبر] بدل [يسمن] ) يعني: القراد؛ فإنه يقال له إذا كبر: حلمه، فيؤنث (قال الأصمعي: يقال للقراد أول ما يكون صغيرا قمقامة، ثم يصير حمنانة ثم يصير قرادا ثم يصير حلما).
وقوله تعالى: ﴿إن يدعون من دونه إلا إناثا﴾ [النساء/١١٧] فمن المفسرين من اعتبر حكم اللفظ فقال: لما كانت أسماء معبوداتهم مؤنثة نحو: ﴿اللات والعزى *** ومناة الثالثة﴾ [النجم/١٩ - ٢٠] قال ذلك:
ومنهم - وهو أصح - من اعتبر حكم المعنى، وقال: المنفعل يقال له: أنيث، ومنه قيل للحديد اللين: أنيث، فقال: ولما كانت الموجودات بإضافة بعضها إلى بعض ثلاثة أضرب:
- فاعلا غير منفعل، وذلك هو الباري عز وجل فقط.
- ومنفعلا غير فاعل، وذلك هو الجمادات.
- ومنفعلا من وجه كالملائكة والإنس والجن، وهم بالإضافة إلى الله تعالى منفعلة، وبالإضافة إلى مصنوعاتهم فاعلة، ولما كانت معبوداتهم من جملة الجمادات التي هي منفعلة غير فاعلة سماها الله تعالى أنثى وبكتهم بها، ونبههم على جهلهم في اعتقاداتهم فيها أنها آلهة، مع أنها لا تعقل ولا تسمع ولا تبصر، بل لا تفعل فعلا بوجه، وعلى هذا قول إبراهيم عليه الصلاة والسلام: ﴿يا أبت لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئا﴾ [مريم/٤٢].


الصفحة التالية
Icon