وعلى هذا اعتبار آيات السور التي تعد بها السورة.
وقوله تعالى: ﴿إن في السموات والأرض لآيات للمؤمنين﴾ [الجاثية/٣]، فهي من الآيات المعقولة التي تتفاوت بها المعرفة بحسب تفاوت منازل الناس في العلم، وكذلك قوله: ﴿بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم وما يجحد بآياتنا إلا الظالمون﴾ [العنكبوت/٤٩]، وكذا قوله: ﴿وكأين من آية في السموات والأرض﴾ [يوسف/١٠٥]، وذكر في مواضع آية وفي مواضع آيات، وذلك لمعنى مخصوص (وقد بسط الكلام على ذلك الإسكافي في درة التنزيل وغرة التأويل، انظر: ص ٤٣٥ - ٤٣٦) ليس هذا الكتاب موضع ذكره.
وإنما قالك ﴿وجعلنا ابن مريم وأمه آية﴾ [المؤمنون/٥٠] ولم يقل: آيتين (قال ابن عرفة: ولم يقل آيتين لأن قصتهما واحدة) ؛ لأن كل واحد صار آية بالآخر. وقوله عز وجل: ﴿وما نرسل بالآيات إلا تخويفا﴾ [الإسراء/٥٩] فالآيات ههنا قيل: إشارة إلى الجراد والقمل والضفادع، ونحوها من الآيات التي أرسلت إلى الأمم المتقدمة، فنبه أن ذلك إنما يفعل بمن يفعله تخويفا، وذلك أخس المنازل للمأمورين، فإن الإنسان يتحرى فعل الخير لأحد ثلاثة أشياء:
- إما أن يتحراه لرغبة أو رهبة، وهو أدنى منزلة.
- وإما أن يتحراه لطلب محمدة.
- وإما أن يتحراه للفضيلة، وهو أن يكون ذلك الشيء فاضلا في نفسه، وذلك أشرف المنازل.
فلما كانت هذه الأمة خير أمة كما قال تعالى: ﴿كنتم خير أمة أخرجت للناس﴾ [آل عمران/١١٠] رفعهم عن هذه المنزلة، ونبه أنه لا يعمهم بالعذاب وإن كانت الجهلة منهم كانوا يقولون: ﴿أمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم﴾ [الأنفال/٣٢].
وقيل: الآيات إشارة إلى الأدلة، ونبه أنه يقتصر معهم على الأدلة، ويصانون عن العذاب الذي يستعجلون به في قوله عز وجل: ﴿يستعجلونك بالعذاب﴾ [العنكبوت/٥٤].