والثاني: ما يعاف من حيث العقل أو الشرع، ولهذا يصح أن يقول الإنسان في الشيء الواحد: إني أريده وأكرهه، بمعنى أني أريده من حيث الطبع، وأكرهه من حيث العقل أو الشرع، أو أريده من حيث العقل أو الشرع، وأكرهه من حيث الطبع، وقوله: ﴿كتب عليكم القتال وهو كره لكم﴾ [البقرة/ ٢١٦] أي: تكرهونه من حيث الطبع، ثم بين ذلك بقوله: ﴿وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم﴾ [البقرة/٢١٦] أنه لا يجب للإنسان أن يعتبر كراهيته للشيء أو محبته له حتى يعلم حاله. وكرهت يقال فيهما جميعا إلا أن استعماله في الكره أكثر. قال تعالى: ﴿ولو كره الكافرون﴾ [التوبة/٣٢]، ﴿ولو كره المشركون﴾ [التوبة/٣٣]، ﴿وإن فريقال من المؤمنين لكارهون﴾ [الأنفال/ ٥]، وقوله: ﴿أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه﴾ [الحجرات/١٢] تنبيه أن أكل لحم الأخ شيء قد جبلت النفس على كراهتها له وإن تحراه الإنسان، وقوله: ﴿لا يحل لكم ان ترثوا النساء كرها﴾ [النساء/١٩] وقرئ: ﴿كرها﴾ (وهي قراءة حمزة والكسائي وخلف. انظر: الإتحاف ص ١٨٨)، والإكراه يقال في حمل الإنسان على ما يكرهه، وقوله: ﴿ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء﴾ [النور/٣٣] فنهي عن حملهن على ما فيه كره وكره، وقوله: ﴿لا إكراه في الدين﴾ [البقرة/٢٥٦] فقد قيل: كان ذلك في ابتداء الإسلام، فإنه كان يعرض على الإنسان الإسلام فإن أجاب وإلا ترك (ويؤيد هذا ما أخرجه ابن إسحق وابن جرير عن ابن عباس قال: نزلت في رجل من الأنصار من بني سالم بن عوف، يقال له الحصين، كان له ابنان نصرانيان، وكان هو رجلا مسلما، فقال للنبي صلى الله عليه وسلم: ألا أستكرههما؟ فإنهما قد أبيا إلا النصرانية، فأنزل الله فيه ذلك. انظر: الدر المنثور ٢/٢١؛ وتفسير الطبري ٣/١٤).
والثاني: أن ذلك في أهل الكتابن فإنهم إن أرادوا الجزية والتزموا الشرائط تركوا (وهذا مروي عن ابن عباس أيضا، وأخرجه عنه ابن جرير وابن أبي حاتم).


الصفحة التالية
Icon