وقال بعضهم: في ذلك حث على تطهير القلب لدخول السكينة فيه المذكورة في قوله: ﴿هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين﴾ [الفتح/٤]، [والطهور قد يكون مصدرا فيما حكى سيبويه (الكتاب ٤/٤٢) في قولهم: تطهرت طهورا، وتوضأت وضوءا، فهذا مصدر على فعول، ومثله وقدت وقودا، ويكون اسما غير مصدر كالفطور في كونه اسما لما يفطر به، ونحو ذلك: الوجور والسعوط والذرور (السعوط: كل شيء صببته في الأنف، والوجور: في الفم ومثله النشوق، واللدود. راجع في ذلك المخصص ٥/١٠١ - ١٠٢؛ وتصحيح الفصيح ١/ والحجة للفارسي ٢/٣٢٣، وما بين [ ] مأخوذ من الحجة للفارسي)، ويكون صفة كالرسول ونحو ذلك من الصفات، وعلى هذا: ﴿وسقاهم ربهم شرابا طهورا﴾ [الإنسان/٢١]، تنبيها أنه بخلاف ما ذكره في قوله: ﴿ويسقى من ماء صديد﴾ [إبراهيم/١٦]، ﴿وأنزلنا من السماء ماء طهورا﴾ [الفرقان/٤٨]. قال أصحاب الشافعي رضي الله عنه: الطهور بمعنى المطهر، وذلك لا يصح من حيث اللفظ لأن فعولا لا يبنى من أفعل وفعل، وإنما يبنى ذلك من فعل (قال أبو بكر ابن العربي: إني تأملته من طريق العربية فوجدت فيها مطلعا شريفا، وهو أن بناء (فعول) للمبالغة، إلا أن المبالغة قد تكون في الفعل المتعدي، كما قال الشاعر:
ضروب بنصل السيف سوق سمائها.
وقد تكون في الفعل القاصر، كما قال الشاعر:
*نؤوم الضحى لم تنتطق عن تفضل*
فوصفه الأول بالمبالغة في الضرب، وهو فعل يتعدى، ووصفها الثاني بالمبالغة في النوم، وهو فعل لا يتعدى، وإنما تؤخذ طهورية الماء لغيره من الحسن نظافة، ومن الشرع طهارة.
وقد يأتي بناء (فعول) لوجه آخر، وهو العبارة به عن آلة الفعل لا عن الفعل، كقولنا: وقود وسحور؛ فإنه عبارة عن الحطب، وعن الطعام المتسحر به، وكذلك وصف الماء بأنه طهور يكون بفتح الطاء خبرا عن الآلة التي يتطهر بها.


الصفحة التالية
Icon