والثاني: عبارة عن المشابهة، لغيره في معنى من المعاني أي معنى كان، وهو أعم الألفاظ الموضوعة للمشابهة، وذلك أن الند يقال فيما يشارك في الجوهر فقط، والشبه يقال فيما يشارك في الكيفية فقط، والمساوي يقال فيما يشارك في الكمية فقط، والشكل يقال فيما يشاركه في القدر والمساحة فقط، والمثل عام في جميع ذلك، ولهذا لما أراد الله تعالى نفي التشبيه من كل وجه خصه بالذكر فقال: ﴿ليس كمثله شيء﴾ [الشورى/١١] وأما الجمع بين الكاف والمثل فقد قيل: ذلك لتأكيد النفي تنبيها على أنه لا يصح استعمال المثل ولا الكاف، فنفى ب (ليس) الأمرين جميعا. وقيل: المثل ههنا هو بمعنى الصفة، ومعناه: ليس كصفته صفة، تنبيها على أنه وإن وصف بكثير مما يوصف به البشر فليس تلك الصفات له على حسب ما يستعمل في البشر، وقوله تعالى: ﴿للذين لا يؤمنون بالآخرة مثل السوء ولله المثل الأعلى﴾ [النحل/٦٠] أي: لهم الصفات الذميمة وله الصفات العلى. وقد منع الله تعالى عن ضرب الأمثال بقوله: ﴿فلا تضربوا لله الأمثال﴾ [النحل/٧٤] ثم نبه أنه قد يضرب لنفسه المثل، ولا يجوز لنا أن نقتدي به، فقال: ﴿إن الله يعلم وأنتم لا تعلمون﴾ [النحل/٧٤] ثم ضرب لنفسه مثلا فقال: ﴿ضرب الله مثلا عبدا مملوكا﴾ الآية [النحل/٧٥]، وفي هذا تنبيه أنه لا يجوز أن نصفه بصفة مما يوصف به البشر إلا بما وصف به نفسه، وقوله: ﴿مثل الذين حملوا التوراة﴾ الآية [الجمعة /٥]، أي: هم في جهلهم بمضمون حقائق التوراة كالحمار في جهله بما على ظهره من الأسفار، وقوله: ﴿واتبع هواه فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث﴾ [الأعراف/١٧٦] فإنه شبهه بملازمته واتباعه هواه وقلة مزايلته له بالكلب الذي لا يزايل اللهث على جميع الأحوال. وقوله: ﴿مثلهم كمثل الذي استوقد نارا﴾ [البقرة/١٧]، فإنه شبه من آتاه الله تعالى ضربا من الهداية والمعارف، فأضاعه ولم يتوصل به إلى ما رشح له من نعيم الأبد بمن استوقد نارا في ظلمة،