والمنطقيون يسمون القوة التي منها النطق نطقا، وإياها عنوا حيث حدوا الإنسان، فقالوا هو الحي الناطق المائت (انظر شرح السلم ص ٧)، فالنطق لفظ مشترك عندهم بين القوة الإنسانية التي يكون بها الكلام، وبين الكلام المبرز بالصوت، وقد يقال الناطق لما يدل على شيء، وعلى هذا قيل لحكيم: ما الناطق الصامت؟ فقال: الدلائل المخبرة والعبر الواعظة. وقوله تعالى: ﴿لقد علمت ما هؤلاء ينطقون﴾ [الأنبياء/٦٥] إشارة إلى أنهم ليسوا من جنس الناطقين ذوي العقول، وقوله: ﴿قالوا أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء﴾ [فصلت/٢١] فقد قيل: أراد الاعتبار، فمعلوم أن الأشياء كلها ليست تنطق إلا من حيث العبرة، وقوله: ﴿علمنا منطق الطير﴾ [النمل/١٦] فإنه سمى أصوات الطير نطقا اعتبارا بسليمان الذي كان يفهمه، فمن فهم من شيء معنى فذلك الشيء بالإضافة إليه ناطق وإن كان صامتا، وبالإضافة إلى من لا يفهم عنه صامت وإن كان ناطقا. وقوله: ﴿هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق﴾ [الجاثية/٢٩] فإن الكتاب ناطق لكن نطقه تدركه العين كما أن الكلام كتاب لكن يدركه السمع. وقوله: ﴿وقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا قالوا أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء﴾ [فصلت/٢١] فقد قيل: إن ذلك يكون بالصوت المسموع، وقيل: يكون بالاعتبار، والله أعلم بما يكون في النشأة الآخرة. وقيل: حقيقة النطق اللفظ الذي هو كالنطاق للمعنى في ضمه وحصره، والمنطق والمنطقة: ما يشد به الوسط وقول الشاعر:
*وأبرح ما أدام الله قومي**بحمد الله منتطقا مجيدا*
(البيت لخداش بن زهير العامري، من قصيدة مطلعها:
*صبا قلبي وكلفني كنودا ** وعاود داءه منها التليدا*
وهو في ديوانه ص ٤٢؛ والمجمل ٣/٨٧٢؛ واللسان (نطق) ؛ ومجاز القرآن ١/٣١٦ ورواية الديوان:
*فأبرح ما أدام الله رهطي**رخي البال منتطقا مجيدا) *


الصفحة التالية
Icon