ولما كانت الهداية والتعليم يقتضي شيئين: تعريفا من المعرف، وتعريف من المعرف، وبهما تم الهداية والتعليم فإنه متى حصل البذل من الهادي والمعلم ولم يحصل القبول صح أن يقال: لم يهد ولم يعلم اعتبارا بعدم القبول، وصح أن يقال: لم يهد ولم يعلم اعتبارا بعدم القول، وصح كذلك صح أن يقال: إن الله تعالى لم يهد الكافرين والفاسقين من حيث إنه لم يحصل القبول الذي هو تمام الهداية والتعليم، وصح أنه يقال: هداهم وعلمهم من حيث إنه حصل البذل الذي هو مبدأ الهداية. فعلى الاعتبار بالأول يصح أن يحمل قوله تعالى: ﴿والله لا يهدي القوم الظالمين﴾ [التوبة/١٠٩]، ﴿والكافرين﴾ [التوبة/٣٧] وعلى الثاني قوله عز وجل: ﴿وأما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى﴾ [فصلت/١٧] والأولى حيث لم يحصل القبول المفيد فيقال: هداه الله فلم يهتد، كقوله: ﴿وأما ثمود﴾ الآية، وقوله: ﴿لله المشرق والمغرب يهدي من يشاء﴾ إلى قوله: ﴿وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله﴾ (الآيتان: ﴿لله المشرق والمغرب يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم * وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا وما جعلنا القبلة التي كانت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله﴾ ) [البقرة/١٤٢ - ١٤٣] فهم الذين قبلوا هداه واهتدوا به، وقوله تعالى: ﴿اهدنا الصراط المستقيم﴾ [الفاتحة/٦]، ﴿ولهديناهم صراطا مستقيما﴾ [النساء/٦٨] فقد قيل: عني به الهداية العامة التي هي العقل، وسنة الأنبياء، وأمرنا أن نقول ذلك بألسنتنا وإن كان قد فعل ليعطينا بذلك ثوابا كما أمرنا أن نقول: اللهم صلى على محمد وإن كان قد صلى عليه بقوله: ﴿إن الله وملائكته يصلون على النبي﴾ [الأحزاب/٥٦] وقيل: إن ذلك دعاء بحفظنا عن استغواء الغواة واستهواء الشهوات، وقيل: هو سؤال للتوفيق الموعود به في قوله: ﴿والذين اهتدوا زادهم هدى﴾ [محمد/١٧] وقيل: سؤال