أي : غيره من الأوصياء والشهود ﴿بعدما سمعه﴾ أي : وصل إليه علمه وتحقق عنده ﴿فإنما إثمه﴾ أي : الإيصاء المبدل ﴿على الذين يبدّلونه﴾ والميت بريء منه، وفي هذا إقامة الظاهر مقام المضمر ﴿إنّ الله سميع﴾ لما وصى به الموصي ﴿عليم﴾ بفعل الوصي فيجازيه عليه وفي هذا وعيد للمبدّل بغير حق.
﴿فمن خاف من موص﴾ أي : توقع وعلم كقوله تعالى :﴿فإن خفتم أن لا يقيما حدود الله﴾ (البقرة، ٢٢٩) أي علمتم وقرأ حمزة بإمالة الألف بعد الخاء من خاف حيث جاء، وقرأ شعبة وحمزة والكسائي بفتح الواو من موص وتشديد الصاد، والباقون بسكون الواو وتخفيف الصاد ﴿جنفاً﴾ أي ميلاً عن الحق بالخطأ في الوصية ﴿أو إثماً﴾ بأن تعمد الحيف في الوصية ﴿فأصلح بينهم﴾ بين الوصي والموصى لهم بإجرائهم على نهج الشرع ﴿فلا إثم عليه﴾ في هذا التبديل ؛ لأنه تبديل ؛ باطل إلى الحق بخلاف الأوّل ﴿إن الله غفور رحيم﴾ فيه وعد للمصلح وذكر المغفرة لمطابقة ذكر الإثم وكون الفعل من جنس ما يؤثم.
﴿يأيها الذين آمنوا كتب﴾ أي : فرض ﴿عليكم الصيام﴾ هو لغة : الإمساك عما تنازع فيه النفس ومنه قوله تعالى :﴿فقولي إني نذرت للرحمن صوماً﴾ (مريم، ٢٦) أي : صمتاً ؛ لأنه إمساك عن الكلام. وفي الشرع : الإمساك عن المفطرات مع النية فإنها معظم ما تشتهيه النفس ﴿كما كتب على الذين من قبلكم﴾ من الأنبياء والأمم من لدن آدم إلى عهدكم. قال عليّ رضي الله تعالى
١٣٥
عنه : أوّلهم آدم يعني أنّ الصوم عبادة قديمة أصلية ما أخلى الله أمّة من افتراضها عليهم لم يفرضها عليكم وحدكم.
جزء : ١ رقم الصفحة : ١٣٥
وفي قوله تعالى :﴿كتب عليكم﴾ إلخ.. توكيد للحكم وترغيب على الفعل وتطييب على النفس وفي موضع التشبيه في كاف كما كتب قولان : أحدهما أنّ التشبيه في حكم الصوم وصفته لا في عدده. قال سعيد بن جبير : كتب عليهم إذا نام أحدهم قبل أن يطعم أنه لم يحل له أن يطعم إلى الليلة القابلة والنساء عليهم حرام ليلة الصيام وهو عليهم ثابت وقد أرخص لكم هذا، فعلى هذا تكون هذه الآية منسوخة بقوله تعالى :﴿أحلّ لكم ليلة الصيام الرفث﴾ (البقرة، ١٨٧) الآية فإنها فرقت بين صوم أهل الكتاب وبين صوم المسلمين، والثاني : إنه كصومهم في عدد الأيام لما روي أنّ رمضان كتب على أهل الإنجيل فأصابهم موتان ـ أي : وهو بضم الميم ـ موت يقع على الماشية فزادوا عشراً قبله وعشراً بعده، فجعلوه خمسين وقيل : كان يقع في الحرّ الشديد وكان يشق عليهم في أسفارهم ويضرّهم في معايشهم فاجتمع رأي علمائهم ورؤسائهم على أن يجعلوا صيامهم في فصل من السنة بين الشتاء والصيف فجعلوه في الربيع وقالوا : نزيد عشرين يوماً تكفر ما صنعنا. قال السديّ عن مشايخه، وقيل : زادوا فيه عشرة أيام أولاً كفارة لما صنعوا، فصار أربعين يوماً ثم أن ملكهم اشتكى فمه فجعل لله عليه إن هو شفي من وجعه أن يزيد في صومهم أسبوعاً، فبرأ فزاد فيه أسبوعاً ثم مات ذلك الملك ووليهم ملك آخر فقال : أتموه خمسين يوماً وعلى هذا تكون الآية محكمة لا منسوخة.
﴿لعلكم تتقون﴾ بصومكم للمعاصي، فإن الصوم يكسر الشهوة التي هي مبدؤها كما قال عليه الصلاة والسلام :"يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة ـ أي : مؤن النكاح ـ فليتزوّج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء أي : قاطع لشهوته أو لعلكم تنتظمون في زمرة المتقين ؛ لأن الصوم شعارهم وقوله تعالى :
﴿أياماً﴾ نصب بصوموا مقدّراً بينهما لدلالة الصيام عليه بالصيام لوقوع الفصل بينهما ﴿معدودات﴾ أي : قلائل كقوله تعالى :﴿دراهم معدودة﴾ (يوسف، ٢٠) وأصله أنّ المال القليل يقدر بالعدد ويحكر فيه والكثير يهال هيلاً ويحثى حثياً أو مؤقتات بعدد معلوم وهي رمضان كما سيأتي وقلله تسهيلاً على المكلفين وقيل : هي عاشوراء وثلاثة أيام من كل شهر كتب على رسول الله ﷺ صيامها حين هاجر ثم نسخت بشهر رمضان ﴿فمن كان منكم مريضاً﴾ مرضاً يضرّه الصوم ويعسر معه ﴿أو على سفر﴾ أي : مسافراً سفر قصر ﴿فعدّة من أيام أخر﴾ أي : فعليه صوم عدّة أيام المرض والسفر من أيام أخر إن أفطر، فحذف الشرط وهو إن أفطر والمضاف وهو صوم والمضاف إليه وهو أيام المرض والسفر للعلم بها.
جزء : ١ رقم الصفحة : ١٣٥
واختلفوا في المرض الذي يبيح الفطر، والأصح فيه ما قدّرناه وذهب أهل الظاهر إلى أنّ ما ينطلق عليه اسم المرض يبيح الفطر وهو قول ابن سيرين : فقد دخل عليه في رمضان وهو يأكل فاعتل بوجع أصبعه وفي السفر الذي يباح فيه الفطر والأصح فيه أيضاً ما قدّرناه وهو مرحلتان.
١٣٦