﴿أو أشد ذكراً﴾ من ذكركم إياهم ونصب أشدّ على الحال المنصوب باذكروا إذ لو تأخر عنه لكان صفة له ﴿فمن الناس من يقول ربنا آتنا﴾ نصيبنا ﴿في الدنيا﴾ وهم المشركون كانوا لا يسألون الله تعالى في الحج إلا الدنيا، يقولون : اللهمّ أعطنا غنماً وإبلاً وبقراً وعبيداً وكان الرجل يقوم فيقول : اللهمّ إنّ أبي كان عظيم الفئة كبير الجفنة كثير المال فأعطني مثل ما أعطيته ﴿وما له في الآخرة من خلاق﴾ أي : نصيب لأنّ همَّه مقصور على الدنيا.
جزء : ١ رقم الصفحة : ١٥١
﴿ومنهم﴾ أي : الناس ﴿من يقول ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار﴾ بعدم دخولها، وهم المؤمنون، واختلفوا في معنى الحسنتين فقال عليّ رضي الله تعالى عنه : الحسنة في الدنيا : المرأة الصالحة، والحسنة في الآخرة : الجنة، يدل له قوله ﷺ "الدنيا متاع وخير متاعها المرأة الصالحة".
وروي عنه أيضاً أنه قال :"الحسنة في الدنيا المرأة الصالحة وفي الآخرة الحوراء وعذاب النار المرأة السوء". وقال الحسن : الحسنة في الدنيا العلم والعبادة، والحسنة في الآخرة الجنة. وقال السدي : الحسنة في الدنيا الرزق الحلال، والحسنة في الآخرة المغفرة والثواب، وأدغم أبو عمرو اللام في الراء بخلاف عنه.
﴿أولئك﴾ الداعون بالحسنتين ﴿لهم نصيب﴾ أي : ثواب ﴿مما كسبوا﴾ أي : من جنس ما
١٥٣
كسبوا من الأعمال الحسنة، أو من أجل ما كسبوا كقوله تعالى :﴿مما خطاياهم أغرقوا﴾ (نوح، ٢٥)، ويجوز أن يكون أولئك للفريقين جميعاً، وأن لكل فريق نصيباً من جنس ما كسبوا ﴿وا سريع الحساب﴾ أي : إذا حاسب فحسابه سريع لا يحتاج إلى عقد يد ولا وعي صدر ولا روية فكر، قال الحسن : أسرع من لمح البصر، وفي الحديث :"يحاسب الخلق كلهم في قدر نصف نهار من أيام الدنيا".
﴿واذكروا الله﴾أي : كبروه أدبار الصلوات وعند ذبح القرابين ورمي الجمار وغيرها، ﴿في أيام معدودات﴾ أي : أيام التشريق الثلاثة وسميت معدودات لقلتهن كقوله تعالى :﴿دراهم معدودة﴾ (يوسف، ٢٠)، والأيام المعلومات عشر ذي الحجة آخرهن يوم النحر، والتكبير في الأيام المعدودات عقب كل صلاة ولو فائتة ونافلة مشروع في حق الحاج وغيره، لكن غير الحاج يكبر من صبح يوم عرفة إلى عقب عصر آخر أيام التشريق للاتباع، رواه الحاكم وصحح إسناده. وأما الحاج فيكبر من ظهر يوم النحر لأنها أوّل صلاته بمنى، ولا يسن التكبير عقب صلاة عيد الفطر لعدم وروده.
﴿
جزء : ١ رقم الصفحة : ١٥٣
فمن تعجل﴾ أي : استعجل بالنفر من منى ﴿في يومين﴾ أي : في ثاني أيام التشريق بعد رمي جماره بعد الزوال عند الشافعيّ وأصحابه قال في "الكشاف" وعند أبي حنيفة وأصحابه ينفر قبل طلوع الفجر ﴿فلا إثم عليه﴾ بالتعجيل ﴿ومن تأخر﴾ حتى بات ليلة الثالث ورمى جماره بعد زواله عندنا، أو قال في "الكشاف" : يجوز تقديم الرمي على الزوال عند أبي حنيفة ﴿فلا إثم عليه﴾ بذلك أي : هم مخيرون في ذلك.
فإن قيل : أليس التأخير أفضل ؟
أجيب : بأنّ التخيير يقع بين الفاضل والأفضل كما خير المسافر بين الصوم والإفطار، وإن كان الصوم أفضل عند عدم المشقة، وقيل : إن أهل الجاهلية كانوا فريقين : منهم من جعل المتعجل آثماً ومنهم من جعل المتأخر آثماً، فورد القرآن بنفي الإثم عنهما جميعاً، وذلك التخيير ونفي الإثم عن المتعجل والمتأخر ﴿لمن اتقى﴾ الله تعالى في حجه، لأنه الحاجّ على الحقيقة عند الله تعالى، وقال النبيّ ﷺ "من حج فلم يرفث ولم يفسق خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه".
﴿واتقوا الله﴾ في مجامع أموركم ليعبأ بكم ﴿واعلموا أنكم إليه تحشرون﴾ في الآخرة فيجازيكم بأعمالكم.
﴿ومن الناس من يعجبك قوله﴾ أي : يعظم في نفسك ومنه الشيء العجيب الذي يعظم في النفس، وهو الأخنس بن شريق الثقفي حليف بني زهرة واسمه أبيّ وسمي الأخنس، لأنه خنس يوم بدر بثلاثمائة رجل من بني زهرة عن القتال مع رسول الله ﷺ وكان منافقاً حلو المنظر، حلو الكلام للنبي ﷺ يحلف أنه مؤمن به ومحب له، ويقول : يعلم الله أني صادق، وكان رسول ﷺ يدني مجلسه.
وقوله تعالى :﴿في الحياة الدنيا﴾ متعلق بالقول، أي : يعجبك ما يقول في أمور الدنيا
١٥٤
وأسباب المعاش أو في معنى الدنيا، لأن ادعاءه المحبة بالباطل يطلب به حظاً من حظوظ الدنيا ولا يريد به الآخرة، كما يراد بالإيمان الحقيقي والمحبة الصادقة للرسول ﷺ فكلامه إذاً في الدنيا لا في الآخرة أو يعجبك قوله في الحياة الدنيا حلاوة وفصاحة، ولا يعجبك في الآخرة لما يرهقه في الموقف من الدهشة واللكنة، أو لأنه لا يؤذن له في الكلام فلا يتكلم حتى يعجبك كلامه.