﴿في﴾ زوال ﴿الدنيا﴾ وفنائها فتزهدوا فيها ﴿و﴾ في إقبال ﴿الآخرة﴾ وبقائها فترغبوا فيها ﴿ويسئلونك﴾ يا محمد ﴿عن اليتامى﴾ وقد مرّ أنهم جمع يتيم، وأن اليتيم طفل لا أب له، قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما لما نزل قوله تعالى :﴿ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن﴾ (الأنعام، ١٥٢) وقوله :﴿إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً﴾ (النساء، ١٠) الآية تحرّج المسلمون من أموال اليتامى تحرّجاً شديداً، فإن واكلوهم يأثموا، وإن عزلوا مالهم من مالهم وصنعوا لهم طعاماً وحدهم فحرج، فاشتدّ ذلك عليهم فسألوا رسول الله ﷺ فأنزل الله تعالى ﴿قل إصلاح لهم﴾ أي : اليتامى في أموالهم بتنميتها ومداخلتكم معهم ﴿خير﴾ من مجانبتكم.
﴿
جزء : ١ رقم الصفحة : ١٦٢
وإن تخالطوهم﴾ أي : تخلطوا نفقتهم بنفقتكم ﴿فإخوانكم﴾ أي : فهم إخوانكم في الدين ومن شأن الأخ أن يخالط أخاه أي : فلكم ذلك. وقيل : المراد بالمخالطة المصاهرة، ﴿وا يعلم المفسد﴾ لأموالهم بمخالطته ﴿من المصلح﴾ بها فيجازي كلاً منهما، ففي ذلك وعيد ووعد لمن خالطهم لإفساد وإصلاح.
﴿ولو شاء الله لأعنتكم﴾ أي : لضيق عليكم بتحريم المخالطة وما أباح لكم مخالطتهم، وأصل العنت الشدّة والمشقة، ومعناه : كلفكم في كل شيء ما يشق عليكم ﴿إنّ الله عزيز﴾ غالب على أمره، يقدر على الإعنات وغيره ﴿حكيم﴾ يحكم بما تقتضيه الحكمة وتتسع له الطاقة.
جزء : ١ رقم الصفحة : ١٦٢
١٦٤
﴿ولا تنكحوا﴾ أي : لا تتزوّجوا أيها المسلمون ﴿المشركات﴾ أي : الكافرات ﴿حتى يؤمنّ﴾.
روي "أنه عليه الصلاة والسلام بعث مرثد بن أبي مرثد الغنوي إلى مكة، ليخرج منها ناساً من المسلمين سرّاً، فلما قدمها سمعت به امرأة مشركة يقال لها : عناق، وكانت خليلته في الجاهلية، فأتته وقالت : يا مرثد ألا تخلو فقال لها : ويحك يا عناق، إنّ الإسلام قد حال بيننا وبينك، فقالت : هل لك أن تتزوّج بي ؟
فقال : نعم ولكن أستأمر رسول الله ﷺ فلما رجع إليه قال : يا رسول الله أيحلّ لي أن أتزوّج بها ؟
فأنزلت هذه الآية"، هذا ما أورده الواحدي وغيره، ولكن الذي رواه أبو داود وغيره أنه سبب في نزول آية النور :﴿الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة﴾ (النور، ٣) الآية، والآية وإن كانت شاملة للكتابيات، لكنها مخصوصة بغيرهنّ بقوله :﴿والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب﴾ (المائدة، ٤٥) وقد تزوّج عثمان بنصرانية فأسلمت وتزوّج حذيفة بيهودية، وطلحة بن عبيد الله بنصرانية.
فإن قيل : كيف أطلقتم اسم الشرك على من لم ينكر إلا بنبوّة محمد ﷺ قال أبو الحسن بن فارس : لأنه يقول : القرآن كلام غير الله، ومن يقول القرآن كلام غير الله فقد أشرك مع الله غير الله انتهى.
جزء : ١ رقم الصفحة : ١٦٤
وقال تعالى :﴿وقالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله﴾ إلى قوله :﴿سبحانه عما يشركون﴾ (التوبة، ٣١).
﴿ولأمة مؤمنة خير من﴾ أي : من حرّة ﴿مشركة ولو أعجبتكم﴾ لجمالها ومالها، نزلت في خنساء وليدة سوداء كانت لحذيفة بن اليمان، قال حذيفة : يا خنساء قد ذكرت في الملأ الأعلى على سوادك ودمامتك، فأعتقها وتزوّج بها. وقال السديّ : نزلت في عبد الله بن رواحة، كان له أمة فأعتقها، وتزوّج بها فطعن عليه ناس من المسلمين وقالوا : أتنكح أمة وعرضوا عليه حرة مشركة، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
﴿ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا﴾ أي : ولا تزوّجوا منهم المؤمنات حتى يؤمنوا، وهذا
١٦٥
على عمومه بإجماع ﴿ولعبد مؤمن خير من﴾ أي : حرّ ﴿مشرك ولو أعجبكم﴾ لماله وجماله وقيل : المراد بالأمة والعبد المرأة والرجل، حرّين كانا أو رقيقين ؛ لأنّ الناس عبيد الله وإماؤه ﴿أولئك﴾ أي : أهل الشرك ﴿يدعون إلى النار﴾ أي : إلى الكفر المؤدّي إلى النار، فلا تليق مصاهرتهم وموالاتهم ﴿وا يدعو﴾ أي : أولياءه المؤمنون، فحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه، تفخيماً لشأنهم، أو يدعو على لسان رسله، وهذا كما قال أبو حيان : أبلغ في التباعد من المشركين إجراءً للفظ على ظاهره، والأوّل ذكر لطلب المعادلة بين المشركين والمؤمنين ﴿إلى الجنة والمغفرة﴾ أي : العمل الصالح الموصل إليها، فهم الأحقاء بالمواصلة ﴿بإذنه﴾ أي : بأمر الله ورضاه على التفسير الأول، أو بقضائه وإرادته على التفسير الثاني فتجب إجابته بتزويج أوليائه ﴿ويبين﴾ أي : الله ﴿آياته للناس لعلهم يتذكرون﴾ أي : لكي يتذكروا فيتعظوا.
﴿ويسئلونك﴾ يا محمد ﴿عن المحيض﴾ أي : الحيض أو مكانه ماذا يفعل بالنساء فيه.