﴿وتتقوا وتصلحوا بين الناس﴾ فتكره اليمين على ذلك، ويسنّ فيه الحنث ويُكَفّر، لما روي عنه ﷺ أنه قال :"من حلف بيمين فرأى غيرها خيراً منها فليكفر عن يمينه ويفعل الذي هو خير"
١٦٧
بخلافها على فعل البرّ ونحوه فهي طاعة ﴿وا سميع﴾ لأقوالكم ﴿عليم﴾ بأحوالكم.
جزء : ١ رقم الصفحة : ١٦٤
﴿في أيمانكم﴾ واللغو : كل مطروح من الكلام لا يعتدّ به.
واختلف أهل العلم في اللغو في اليمين المذكور في الآية، فقال قوم : هو ما سبق إلى اللسان على عجلة، لصلة كلام من غير عقد ولا قصد، كقول القائل : لا والله، وبلى والله، وكلا والله، وعن عائشة رضي الله تعالى عنها أنها قالت : لغو اليمين كقول الإنسان : لا والله، وبلى والله، ورفعه بعضهم، وبهذا قال الشافعي رضي الله تعالى عنه، وقال قوم : هو أن يحلف على شيء يرى أنه صادق ثم يتبين أنه خلاف ذلك وبه قال أبو حنيفة رضي الله تعالى عنه وقال زيد بن أسلم : هو دعاء الرجل على نفسه كقول الإنسان : أعمى الله بصري إذا لم أفعل كذا، وكذا فهذا لغو لا يؤاخذ الله به، قال تعالى :﴿ويدعو الإنسان بالشرّ دعاءه بالخير﴾ (الإسراء، ١١) وقال تعالى :﴿ولو يعجل الله للناس الشرّ استعجالهم بالخير لقضى إليهم أجلهم﴾ (يونس، ١١).
﴿ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم﴾ أي : قصدته من الإيمان إذا حنثتم ﴿وا غفور﴾ حيث لم يؤاخذكم باللغو ﴿حليم﴾ حيث لم يعجل بالمؤاخذة على يمين الجدّ تربصاً للتوبة.
جزء : ١ رقم الصفحة : ١٦٨
تنبيه : اليمين لا ينعقد إلا بالله العظيم، أو باسم من أسمائه، أو صفة من صفاته، فاليمين بالله كأن يقول : والذي أعبده والذي نفسي بيده وبأسمائه، كأن يقول : والله والرحمن وبصفاته، كأن يقول : وعزة الله، وعظمة الله وجلال الله فإذا حلف بشيء من ذلك على أمر مستقبل، ثم حنث وجبت عليه الكفارة، وسيأتي بيانها إن شاء الله تعالى في سورة المائدة، وإذا حلف على أمر ماض أنه كان ولم يكن، وهو عالم به حالة ما حلف فهي اليمين الغموس، وهي من الكبائر ويجب بها الكفارة، كما قاله الشافعيّ رضي الله تعالى عنه. وقال بعض العلماء : لا كفارة فيها كأكثر الكبائر. وأما الحلف بغير ما ذكر كالحلف بالكعبة وبيت الله ونبيّ الله أو بأبيه ونحوه فلا يكون يميناً ولا تجب به الكفارة إذا حنث وهو يمين مكروه.
روي أن رسول الله ﷺ أدرك عمر وهو يسير في ركب، وهو يحلف باسمه فقال رسول الله ﷺ "إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم، فمن كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت".
﴿للذين يؤلون من نسائهم﴾ أي : يحلفون أن لا يجامعوهنّ، والإيلاء : الحلف، وتعديته بعلى، ولكن لما ضمن هذا القسم معنى البعد عدي بمن، قال قتادة : كان الإيلاء طلاقاً لأهل الجاهلية، وقال سعيد بن المسيب : كان ذلك من ضرار أهل الجاهلية كان الرجل لا يحب المرأة ولا يريد أن يتزوّجها غيره فيحلف أن لا يقربها أبداً، فيتركها أبداً لا أيماً، ولا ذات بعل، وكانوا عليه في ابتداء الإسلام، فضرب الله لهم أجلاً في الإسلام كما قال تعالى :﴿تربص﴾ أي : انتظار ﴿أربعة أشهر﴾ أي : للمولى حق التثبت في هذه المدّة فلا يطالب بفيئة ولا طلاق، ولذا قال الشافعيّ رضي الله تعالى عنه : لا إيلاء إلا في أكثر من أربعة أشهر، ويؤيده ﴿فإن فاؤا﴾ أي : رجعوا في المدّة أو بعدها عن اليمين إلى الوطء ؛ لأنّ الفيئة وعزم الطلاق مشروعان عقب الإيلاء وحصول التربص، فلا بدّ أن يكون مدخول الفاء واقعاً بعدهما ﴿فإنّ الله غفور﴾ لهم ما أتوه من ضرر المرأة بالحلف ﴿رحيم﴾ بهم.
١٦٨
﴿وإن عزموا الطلاق﴾ أي : صَمّموا عليه بأن لم يفيئوا فليوقعوه، ﴿فإنّ الله سميع﴾ لقولهم ﴿عليم﴾ بعزمهم أي : ليس لهم بعد تربص ما ذكر إلا الفيئة أو الطلاق، ففيه دليل على أنها لا تطلق بعد مضيّ المدّة ما لم يطلقها زوجها ؛ لأنه شرط فيه العزم وقال : فإنّ الله سميع فدل على أنه يقتضي مسموعاً.
والقول : هو الذي يسمع وقال بعض العلماء : إذا مضت أربعة أشهر يقع عليه طلقة بائنة، وهو قول ابن عباس وأصحاب الرأي، وقال سعيد بن المسيب والزهري : يقع عليه طلقة واحدة رجعية، ولو حلف أن لا يطأها أقل من أربعة أشهر لا يكون مولياً، بل حالفاً، إذا وطئها قبل مضي تلك المدّة وجبت عليه كفارة يمين إن كان الحلف بالله، ولا يختص الإيلاء بالحلف بالله تعالى، فلو قال لزوجته : إن وطئتك فعبدي حر، أو ضرّتك طالق، أو لله عليّ عتق رقبة أو صوم أو صلاة، فهو مولٍ، لأنّ المولى من يلزمه أمر يمتنع بسببه من الوطء.
جزء : ١ رقم الصفحة : ١٦٨


الصفحة التالية
Icon