إلى رفاعة ؟
لا حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك"، فالآية مطلقة قيدتها السنة، ويحتمل أن يفسر النكاح بالإصابة، ويكون العقد مستفاداً من لفظ الزوج، والعسيلة مجاز عن قليل الجماع، إذ يكفي قليل انتشار، شبهت تلك اللذة بالعسل وصغرت ولحقتها الهاء ؛ لأن الغالب على العسل التأنيث قاله الجوهري.
وروي أنها لبثت ما شاء الله ثم رجعت إلى رسول الله ﷺ وقالت : إنّ زوجي قد مسني فقال لها النبيّ ﷺ "كذبت في قولك الأوّل فلن أصدقك في الآخر" فلبثت حتى قبض رسول الله ﷺ فأتت أبا بكر فقالت : يا خليفة رسول الله أرجع إلى زوجي الأوّل فإنّ زوجي الآخر مسني وطلقني فقال لها أبو بكر : قد شهدت رسول الله ﷺ حين أتيته، وقال لك ما قال، فلا ترجعي إليه، فلما قبض أبو بكر أتت عمر، وقالت له مثل ذلك فقال لها عمر : لئن رجعت إليه لأرجمنك".
جزء : ١ رقم الصفحة : ١٧٢
والحكمة في التحلل الردع عن المسارعة إلى الطلاق، والعود إلى المطلقة ثلاثاً والرغبة فيها، والنكاح بشرط التحليل فاسد عند الأكثر، وجوّزه أبو حنيفة رضي الله تعالى عنه مع الكراهة، وقد "لعن رسول الله ﷺ المحلل والمحلل له" رواه الترمذيّ والنسائيّ وصححه. وعن عمر رضي الله تعالى عنه : لا أوتي بمحلل ولا محلل له إلا رجمتهما.
تنبيه : شملت الآية الكريمة : ما إذا طلق الزوج زوجته الأمة ثلاثاً ثم ملكها، فإنه لا يحلّ له أن يطأها بملك اليمين، حتى تنكح زوجاً غيره ﴿فإن طلقها﴾ الزوج الثاني بعدما أصابها ﴿فلا جناح عليهما﴾ أي : المرأة والزوج الأوّل ﴿أن يتراجعا﴾ إلى النكاح بعقد جديد بعد انقضاء العدّة ﴿إن ظنا﴾ أي : إن كان في ظنهما ﴿أن يقيما حدود الله﴾ أي : ما حدّه الله وشرعه من حقوق الزوجية، هذا هو الأصل، وإلا فهو ليس بشرط للجواز ولم يقل إن علما أنهما يقيمان ؛ لأنّ اليقين مغيب عنهما لا يعلمه إلا الله.
قال في "الكشاف" ومن فسر الظنّ هنا بالعلم فقد وهم من طريق اللفظ والمعنى ؛ لأنك لا تقول : علمت أن يقوم زيد، ولكن علمت أنه يقوم ؛ ولأنّ الإنسان لا يعلم ما في الغد وإنما يظنّ ظناً ﴿وتلك﴾ أي : الأحكام المذكورة ﴿حدود الله بينها لقوم يعلمون﴾ أي : يتدبرون ما أمرهم الله تعالى به ويفهمونه، ويعلمونه بمقتضى العلم.
﴿وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهنّ﴾ أي : قاربن انقضاء عدّتهن ولم يرد انقضاء العدّة حقيقة ؛ لأنّ العدّة إذا انقضت لم يكن للزوج إمساكها فالبلوغ ههنا بلوغ مقاربة. وفي قوله تعالى بعد ذلك :﴿فبلغن أجلهنّ فلا تعضلوهنّ﴾ حقيقة انقضاء العدّة والبلوغ يتناول المعنيين، يقال : بلغ المدينة إذا قرب منها وإذا دخلها ﴿فأمسكوهنّ﴾ بأن تراجعوهنّ ﴿بمعروف﴾ من غير ضرار، وقيل : بأن يشهد على رجعتها وأن يراجعها بالقول لا بالوطء ﴿أو سرّحوهنّ بمعروف﴾ أي : اتركوهنّ حتى تنقضي عدّتهنّ، فيكنّ أملك بأنفسهنّ ﴿ولا تمسكوهنّ﴾ بالرجعة وقوله تعالى :﴿ضراراً﴾ مفعول له
١٧٣
﴿لتعتدوا﴾ أي : لا تقصدوا بالمراجعة المضارة بتطويل الحبس. نزلت هذه الآية في رجل من الأنصار يدعى ثابت بن يسار، طلق امرأته حتى إذا قرب انقضاء عدّتها راجعها ثم طلقها بقصد مضارتها، ﴿ومن يفعل ذلك فقد ظلم نفسه﴾ أي : أضرّ بها بتعريضها إلى عذاب الله، وقرأ أبو الحارث الليث بإدغام اللام من يفعل في الذال حيث جاء والباقون بالإظهار ﴿ولا تتخذوا آيات الله هزواً﴾ أي : مهزؤاً بها بمخالفتها ؛ لأنّ كل من خالف أمر الشرع فهو متخذ آيات الله هزواً، وقيل : كان الرجل يتزوّج ويطلق ويعتق ويقول : كنت ألعب فنزلت.
جزء : ١ رقم الصفحة : ١٧٢
وروي عن أبي هريرة أنه ﷺ قال :"ثلاث جدّهنّ جدّ : وهزلهنّ جدّ الطلاق والنكاح والرجعة" ﴿واذكروا نعمت الله عليكم﴾ التي من جملتها الإسلام والإيمان وبعثة النبيّ ﷺ ﴿وما أنزل عليكم من الكتاب﴾ أي : القرآن ﴿والحكمة﴾ أي : السنة، أفردهما بالذكر إظهاراً لشرفهما وذكرها مقابلتها بالشكر والقيام بحقوقها ﴿يعظكم به﴾ أي : بما أنزل عليكم ليدعوكم به إلى دينه ﴿واتقوا الله واعلموا أنّ الله بكل شيء عليم﴾ لا يخفى عليه شيء ففي ذلك تأكيد وتهديد.
﴿وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهنّ﴾ أي : انقضت عدّتهنّ ﴿فلا تعضلوهنّ﴾ أي : تمتعوهنّ من ﴿أن ينكحن أزواجهنّ﴾ أي : المطلقين لهنّ. وعن الشافعيّ رضي الله تعالى عنه دل سياق الكلامين أي : وهما أمسكوهنّ إلخ.. و"فلا تعضلوهنّ" على افتراق البلوغين، فالمراد بالأوّل المقاربة، وبالثاني الوصول كما تقرّر، والعضل الحبس والتضييق، ومن العضل بهذا المعنى عضلت الدجاجة إذا علقت بيضتها فلم تخرج.


الصفحة التالية
Icon