فائدة : رسمت التاء في نعمت بالتاء المجرورة، ووقف ابن كثير وأبو عمرو والكسائيّ بالهاء، ويميلها الكسائيّ في الوقف، ووقف الباقون بالتاء على الرسم والمخاطب بذلك الأولياء لما روي أنه نزلت في معقل بن يسار، حين عضل أخته أن ترجع إلى الزوج الأوّل، ففي الآية دليل على أنّ المرأة لا تزوّج نفسها، إذ لو تمكنت منه لم يكن لعضل الوليّ فائدة، ولا يعارض ذلك بإسناد النكاح إليهنّ ؛ لأنه إنما أسند إليهن لتوقف النكاح على إذنهنّ، وقبل الخطاب للأولياء والأزواج، وقيل : للناس كلهم أي : لا يوجد فيما بينكم هذا الأمر، فإنه إن وجد بينهم وهم راضون به كانوا كالفاعلين.
له وقوله تعالى :﴿إذا تراضوا بينهم﴾ أي : الأزواج والنساء ظرف ؛ لأن ينكحن أو لا تعضلوهنّ وقوله تعالى :﴿بالمعروف﴾ أي : بما يعرفه الشرع ويستحسنه من كونه بعقد حلال حال من ضمير تراضوا، أو صفة مصدر محذوف أي : تراضياً كائناً بالمعروف وفيه دلالة على أنّ العضل عن التزوج من غير كف غير منهي عنه ﴿ذلك﴾ أي : النهي عن العضل ﴿يوعظ به من كان منكم يؤمن با واليوم الآخر﴾ لأنه المتعظ أو المنتفع به.
فإن قيل : لمن الخطاب في قوله :﴿ذلك يوعظ به﴾ ؟
أجيب : بأنه يجوز أن يكون لرسول الله ﷺ ولكل أحد كما في قوله تعالى :﴿يأيها النبيّ إذا طلقتم النساء﴾ (الطلاق، ١) ونحوه ﴿ذلكم﴾ أي : ترك العضل ﴿أزكى﴾ أي : أنفع ﴿لكم وأطهر﴾ لكم ولهنّ من دنس الآثام لما يخشى على الزوجين من الريبة بسبب العلاقة بينهما ﴿وا يعلم﴾ ما فيه المصلحة ﴿وأنتم لا تعلمون﴾ ذلك
١٧٤
لقصور علمكم، وقوله تعالى :
جزء : ١ رقم الصفحة : ١٧٢
﴿والوالدات يرضعن أولادهنّ﴾ خبر بمعنى الأمر كقوله تعالى :﴿والمطلقات يتربصن بأنفسهنّ﴾ وهو أمر استحباب لا أمر إيجاب، لأنه لا يجب عليهنّ الإرضاع إذا كان يوجد من يرضع الولد، لقوله تعالى في سورة الطلاق :﴿فإن أرضعن لكم فآتوهنّ أجورهنّ﴾ فإن رغبت الأمّ في الإرضاع فهي أولى من غيرها، أمّا إذا لم يوجد من يرضعه فيجب عليها إرضاعه، والوالدات يعمّ المطلقات وغيرهنّ وقيل : يختص بالمطلقات إذ الكلام فيهنّ ﴿حولين﴾ أي : عامين ﴿كاملين﴾ صفة مؤكدة كما في قوله تعالى :﴿تلك عشرة كاملة﴾ (البقرة، ١٩٦) لأنّ العرب قد تسمي بعض الحول حولاً، وبعض الشهر شهراً، كما قال الله تعالى :﴿الحج أشهر معلومات﴾ (البقرة، ١٩٧) وإنما هو شهران وبعض الثالث وقال تعالى :﴿فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه﴾ (البقرة، ٢٠٣) وإنما يتعجل في يوم وبعض يوم.
جزء : ١ رقم الصفحة : ١٧٥
وقال قتادة : فرض الله على الوالدات إرضاع حولين كاملين ثم أنزل التخفيف فقال :﴿لمن أرد أن يتم الرضاعة﴾ أي : هذا منتهى الرضاع، وليس فيما دون ذلك حدّ محدود، إنما هو على مقدار إصلاح المولود وما يعيش به.
﴿وعلى المولود له﴾ أي : الوالد ﴿رزقهنّ﴾ أي : إطعام الوالدات ﴿وكسوتهنّ﴾ أجرة لهنّ على الإرضاع إذا كنّ مطلقات، واختلف في استئجار الأم للإرضاع فجوّزه الشافعيّ ومنعه أبو حنيفة ما دامت زوجة أو معتدّة نكاح.
فإن قيل : لِمَ قال تعالى :﴿المولود له﴾ دون الوالد ؟
أجيب : بأنه تعالى إنما ذكر ذلك ليعلم أنّ الوالدات إنما ولدن لهم ؛ لأنّ الأولاد للآباء ولذلك ينتسبون إليهم لا إلى الأمّهات. وأنشد للمأمون بن الرشيد :
*فإنما أمّهات الناس أرعية ** مستودعات وللآباء أبناء*
فكان عليهم أن يرزقوهنّ ويكسوهنّ إذا أرضعن ولدهم ألا ترى أنه ذكره باسم الوالد حيث لم يكن هذا المعنى وهو قوله تعالى :﴿واخشوا يوماً لا يجزي والد عن ولده ولا مولود هو جاز عن والده شيئاً﴾ (لقمان، ٣٣) وقوله تعالى :﴿بالمعروف﴾ يفسره ما يعقبه وهو قوله تعالى :﴿لا تكلف نفس إلا وسعها﴾ أي : طاقتها فلا يكلف واحد منهما ما ليس في وسعه ﴿لا تضارّ والدة بولدها﴾ أي : بسببه، بأن تكره على إرضاعه أو تكلف فوق طاقتها ﴿ولا﴾ يضار ﴿مولود له بولده﴾ أي : بسببه، بأن يكلف فوق طاقته، وإضافة الولد إلى كلّ منهما للاستعطاف، وللتنبيه على أنّ الولد حقيق بأن يتفقا على استصلاحه، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو تضار بضمّ الراء بدل من قوله : لا تكلف والباقون بفتحها ﴿وعلى الوارث﴾ أي : وارث الأب، وهو الولد أي : على الوليّ في مال الولد ﴿مثل ذلك﴾ أي : الذي كان على الأب للوالدة من الرزق والكسوة، وقيل : هو وارث الولد الذي لو مات الولد لورثه، وقيل : الباقي من الأبوين أخذا من قوله ﷺ "اللهمّ متعنا بأسماعنا وأبصارنا واجعلهما الوارث ـ أي : الباقي ـ منا" والمعنى واجعل كل منهما في لزومه لنا مدّة الحياة كأنه باق بعد الموت ﴿فإن أرادا﴾ أي : الوالدان ﴿فصالاً﴾ أي : فطاماً له صادر {عن
١٧٥


الصفحة التالية
Icon